تفسير قول الله ولا تواعدوهن سرا
ذُكِرَ في سورة البقرة آية 235 (لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، وفيما يلي تفسير تلك الآية الكريمة.
تفسير قوله تعالى لا تواعدوهن سرا
تفسير القرطبي
فسر القرطبي قوله تعالى ” ولكن لا تواعدوهن سرا “ بأن العلماء اختلفوا في معنى كلمة “سرا”، ومنهم من قال بأنها تعني النكاح، حيث أن الرجل لا يأخذ عهدا من المرأة بعدم الزواج من غيرها في السر، وقد صرح بذلك كل من ابن عباس وابن جبير ومالك والشعبي ومجاهد وعكرمة والسدي، وكان معنى “سرا” بمعنى “مستسرين .
وهناك من قال أن السر يعني الزنا أي لا يجب عدم مواعدة النساء في العدة ثم التزوج بعدها، وقال جابر بن زيد وأبو مجلز لاحق بن حميد والحسن بن أبي الحسن وقتادة والنخعي والضحاك قوله تعالى “سرا” : أي لا تواعدوهن زنا، وقال الأعشى :فلا تقربن جارة إن سرها عليك حرام فانكحن أو تأبدا، وقال الحطيئة : ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع.
يمكن أن يعني “السر” الجنس الجنسي كترغيب للنكاح، وقد قال أمرؤ القيس: “ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وألا يحسن السر أمثالي”، وقال رؤبة: “فكف عن إسرارها بعد الغسق”، أي كف عن ممارسة الجنس معها بعد ملازمتها لذلك .
وهناك من يفسر السر على أنه عقدة النكاح سواء كان سرا أو علنا، وقد قال الأعشى : فلن يطلبوا سرها للغنى ولن يسلموها لإزهادها وأراد أن يطلبوا نكاحها لكثرة مالها ، ولن يسلموها لقلة مالها، وقال ابن زيد : معنى قوله ولكن لا تواعدوهن سرا أن لا تنكحوهن وتكتمون ذلك، فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن .
قال القاضي أبو محمد بن عطية : وافقت الأمة على عدم الاستحسان للتعارف في فترة العدة للمرأة لنفسها، وللأب لابنته البكر، وللسيد لأمته. وقال ابن المواز: وبالنسبة للولي الذي ليس لديه سلطة القهر، فأنا أكرهه وإذا جاء لم أبطل العدة. وقال مالك: بالنسبة للشخص الذي يتعارف في فترة العدة ثم يتزوج بعدها: الانفصال هو أفضل ليس لها أدخلت عليه أو لم تدخل، ويكون طلاق واحد، وعندما تتزامن خطوبتها مع الخطوبة، هذا هو رواية ابن وهب، وأخبر أشهب عن مالك أنه يفرق بينهما إيجابا .
وقال الامام الشافعي : إذا صرح الرجل بالخطبة ورد عليه بالموافقة ولم يتم عقد النكاح حتى ينتهي فترة العدة، فإن النكاح لا يزال قائما ويعتبر الإعلان عن الخطبة والموافقة عليها مكروها لأن النكاح لم يتم بعد، وذكر الضحاك أنه من المألوف أن يقول الرجل للمرأة التي تعتد بها: “احتفظي بنفسك لي لأنني أرغب فيك”، وترد النساء عليه قائلات: “وأنا مثلك”، وهذا يشبه المواعدة .
تفسير الطبري
فسر قوله تعالى ” وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا” وقد اختلف أهل التفسير في معنى السر الذي أنهى الله عباده عن مواعدة المعتدات به، فهناك من قال أنه يعني : الزنا وقد ذكر في ذلك : قول جابر بن زيد في قوله تعالى ” ولكن لا تواعدوهن سرا ” : الزنا، وفسرها أيضا أبي مجلز على أنها الزنا.
وقيل عن السدي : سمعت إبراهيم يقول: في قوله تعالى `لا تواعدوهن سرا`: الزنا، وقيل عن الحسن في قوله `ولكن لا تواعدوهن سرا`: الفاحشة، وقيل عن ابن عباس: `لا تواعدوهن سرا`: فذلك السر هو الريبة، حيث كان الرجل يدخل من أجل الريبة وهو يعرض بالنكاح، فنهى الله عن ذلك إلا من قال معروفا، وقيل عن الربيع في قوله تعالى `ولكن لا تواعدوهن سرا`: للفحش والخضوع من القوى.
وهناك من قال أن السر يعني ألا تأخذوا ميثاقهن وعهودهن في عددهن أن لا ينكحن غيركم في السر، وقد قيل عن ابن عباس : ” لا تواعدوهن سرا ” : لا تقل لها ” إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري”، وقيل عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ” لا تواعدوهن سرا ” : لا يقاضها على كذا وكذا أن لا تتزوج غيره، وقيل عن عكرمة : لا يأخذ ميثاقها في عدتها، أن لا تتزوج غيره.
وقيل عن الشعبي في هذه الآية : ” لا تواعدوهن سرا ” : لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك، وقيل عن السدي : ” أمسكي علي نفسك فأنا أتزوج “أو ” لا تنكحي غيري”، وقيل عن قتادة : هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تتزوج غيره، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف ونهى عن الفاحشة والخضع من القول.