تفسير ” قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى “
{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سورة سبأ : 46 ].
تفسير الآية ابن كثير :
يقول الله تبارك وتعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون : { إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } أي إنما آمركم بواحدة، وهي { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ } أي تقوموا قياماً خالصاً لله عزَّ وجلَّ من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضاً: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضاً، { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ذلك.
ولهذا قال الله تعالى: هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتادة وغيرهم من تفسير الآية “أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة”. وهذا هو المراد من الآية. أما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن أبي إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: “أعطيت ثلاثا لم يعطها من قبلي ولا فخر: أح وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدا طهورا، أتيممت بالصعيد وأصلي حيث أدركتني الصلاة، قال الله: { أن تقوموا لله مثنى وفرادى }، وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي”، وهذا الحديث ضعيف الإسناد. وتفسير الآية هو القيام بالصلاة، سواء في جماعة أو فرادى، ولعل هذا المعنى متضمنا في الحديث من قبل أحد الرواة.
وقوله تعالى: إنه لكم نذير، وقد سبقني عذاب شديد.” قال البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم، وقال: “يا صباحاه”. فاجتمعت قريش حوله، فقالوا: “ما لك؟” فقال: “أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدقوني؟” قالوا: “بلى؟” فقال صلى الله عليه وسلم: “فإني نذير لكم، وقد سبقني عذاب شديد”. فقال أبو لهب: “تبا لك ألهذا جمعتنا؟” فأنزل الله عز وجل: “تبت يدا أبي لهب وتب” [المسد:1]، وقد تقدم عند قوله تعالى: “وأنذر عشيرتك الأقربين” [الشعراء:214].
وقال الإمام أحمد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونادى ثلاث مرات قائلا: `أيها الناس، هل تعرفون ما مثلي ومثلكم؟` قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه وسلم: `إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يقترب منهم، فبعثوا رجلا يتراءى لهم، وفي حين كان هو كذلك، رأى العدو فاقترب ليحذرهم، وخشي أن يلحقه العدو قبل أن يحذر قومه، فألقى بثوبه قائلا: `أيها الناس، لقد أتيتم، أيها الناس، لقد أتيتم`، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد: `أرسلت أنا والساعة معا، وإنها كادت أن تسبقني`، وقد ذكر ذلك الإمام أحمد في مسنده بتفرده