تفسير ” فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا “
ورد في تفسير ابن كثير أن الجريمة الأكبر والأشد جرمًا هي الإدعاء بالرسالة أو التقول على الله بالكذب، وقد ذُكر في الآية “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ.
تفسير الآية:
{فَمَنْ أَظْلَمُ}: يقول الله تعالى: لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجراماً {مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}: أي تقوّل على اللّه وزعم أن اللّه أرسله ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر جرماً ولا أعظم ظلماً من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء؟ فإن من قال هذه المقالة صادقاً أو كاذباً فلا بدّ أن اللّه ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإن الفرق بين محمد صل اللّه عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين الضحى وبين حندس الظلماء.
قال عبد اللّه بن سلام:عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كانت أنجفال الناس، وهم قومه اليهود، أما العرب، وهم الأنصار، فكانوا في أشد الغبطة والسرور، وكنت من بين الأنصار الذين كانوا في ذلك الحال. وعندما رأيت وجهه، عرفت أنه ليس وجه رجل كاذب، وكان أول ما سمعته يقول: “يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.
ولما وفد ضمام بن ثعلبة على رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم في قومه بني سعد بن بكر قال لرسول اللّه صل اللّه عليه وسلم فيما قاله: من رفع هذه السماء؟ قال: «اللّه» قال: ومن نصب هذه الجبال؟ قال: «اللّه» قال: ومن سطح هذه الأرض؟ قال: «اللّه» قال: فبالذي رفع هذه السماء ونصب هذه الجبال وسطح هذه الأرض آللّه أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: «اللهم نعم)» ثم سأله عن الصلاة و الزكاة والحج والصيام ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين، ويحلف له رسول اللّه صل اللّه عليه وسلم، فقال له: صدقت، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص، فقد أيقن بصدقه صلوات اللّه وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه، قال حسان بن ثابت:
لو لم تكن هناك آيات موضحة لكان الخبر واضحًا من نفسه
تذكروا أن عمرو بن العاص قد وفد على مسيلمة، وكان صديقا له في الجاهلية، ولم يسلم الآن. فقال له مسيلمة: يا عمرو، ماذا أنزل على صاحبكم، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الفترة؟ فأجاب: لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة قصيرة عظيمة، وهي “والعصر” إلى آخر السورة. ففكر مسيلمة ساعة، ثم قال: وأنا قد أنزل علي مثله، فسأله عمرو: وما هو؟ فأجاب: “يا وبر، يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر”. فقال له عمرو: والله إنك تعلم أنني أعلم أنك تكذب. فإذا كان هذا من مشرك وهو في حالة الشرك، فلم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه، وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه، فكيف بأولي البصائر والنهى، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجة؟ ولهذا قال الله تعالى: “فمن أظلم ممن افترىٰ على الله كذبا أو كذب بآياته ۚ إنه لا يفلح المجرمون.
{أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}: ومن كذب بالحق الذي جاء به الرسل، وقامت عليه الحجج، فلا أحد أظلم منه، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: `أعتى الناس على الله رجل قتل نبيا أو قتله نبيا`.