تفسير ” فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين “
{لا تجعل مع الله إلها آخر، فإنك ستكون من المعذبين. وأنذر عشيرتك الأقربين، وتواضع لأولئك المؤمنين الذين يتبعونك. وإذا عصوك، فقل: إني بريء مما تعملون. وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك عندما تقوم وتتحرك في صلواتك. إنه هو السميع العليم.” [سورة الشعراء: 213-220]
تفسير الآيات ابن كثير:
{فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك ولا مخبراً أن من أشرك به عذبه. ثم قال تعالى آمراً لرسوله صل الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين أي الأدنين إليه، وأنه لا يخلص أحداً منهم إلاّ إيمانه بربه عزَّ وجلَّ، وأمره أن يلين جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين، ومن عصاه من خلق الله كائناً من كان فليتبرأ منه.
ولهذا قال تعالى: إذا عصيتك فقل إني بريء مما تعملون”، وهذه النذرية خاصة لا تنفي العامة، بل هي جزء منها، كما قال الله تعالى: “لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون” [يس: 6]، وقال تعالى: “لتنذر أم القرى ومن حولها” [الشورى: 7]، وقال تعالى: “لأنذركم به ومن بلغ” [الأنعام: 19]، وكما قال تعالى: “ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده” [هود: 17]، وفي صحيح مسلم: “والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}: أي في كل أمر لك، فإنه يدعمك ويحميك وينصرك ويجعل كلمتك مرتفعة، {الذي يراك حين تقوم}: أي هو يراقبك ويعتني بك، كما قال تعالى: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [سورة الطور: 48]، وقال ابن عباس {الذي يراك حين تقوم}: يعني أثناء الصلاة. وقال عكرمة: يرى وقوفك وركوعك وسجودك، وقال الحسن: عندما تصلي بمفردك، وقال الضحاك: أي من فراشك أو مجلسك، وقال قتادة: {الذي يراك}: وقت الوقوف والجلوس وفي جميع حالاتك.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}: قال قتادة: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين}: يقول قتادة إن الله يراك عندما تقوم بالصلاة وتتحرك في السجود، ويشاهدك وحده عندما تصلي بمفردك وفي الجماعة. وقال ابن عباس بشأن هذه الآية: يعني تحركاتك من صليب نبي إلى صليب نبي حتى تخرج نبيا، وقوله تعالى: {إنه هو السميع العليم}: يعني أن الله هو الذي يسمع أقوال عباده ويعلم حركاتهم وأماكنهم السكنية، وكما قال تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} [يونس: 61]
سبب نزول الآية تفسير ابن كثير:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} أتى النبي صل الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: «يا صباحاه» فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] [أخرجه الإمام أحمد ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق بمثله]