تفسير الآية ” يوم تأتي السماء بدخان مبين ” وسبب نزولها
قال تعالى: “بل هم في شك يلعبون، فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم” [سورة الدخان: 9-11].
سبب نزول الآية
قال مسروق: دخلنا المسجد، أي مسجد الكوفة، فرأينا رجلا يحدث أصحابه عن آية { يوم تأتي السماء بدخان مبين }، فسألناه عن ذلك الدخان، فأخبرنا أنه دخان يظهر يوم القيامة ويؤثر على سمع وبصر المنافقين، ويسبب للمؤمنين مثل نزلة البرد، وبعد ذلك ذكرنا هذا لابن مسعود رضي الله عنه وهو كان مستلقيا فصدم وقعد، وقال إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين }، ومن العلم أن يقول الإنسان عندما لا يعرف: الله أعلم، وأنا سأخبركم بذلك
إن قريشاً لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع، حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء، فلا يرون إلا الدخان، وفي رواية: فجعل الرجل ينظر إلى السماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، قال اللّه تعالى: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم ٌ}.
فَأُتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم، فسقوا، فنزلت: `إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون` [الدخان: 15] قال ابن مسعود رضي الله عنه: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله عز وجل: `يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون` [الدخان: 16] قال: يعني يوم بدر، قال ابن مسعود رضي الله عنه، فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام [الحديث مخرج في الصحيحين، ورواه أحمد والترمذي والنسائي].
تفسير الآيات ابن كثير
قول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون، وذلك بعد أن جاءهم الحق اليقين ولكنهم لا يؤمنون به ويشكون فيه ويترددون، ومن ثم أعلن الله تعالى تحذيرا لهم وتهديدهم بحدوث يوم يأتي فيه السماء بدخان مبين، ويرجع هذا الدخان إلى علامات الساعة، وهناك عشر آيات سيظهر فيها عدة أحداث من بينها طلوع الشمس من مغربها وخروج دابة ويأجوج ومأجوج وعيسى بن مريم والدجال، إضافة إلى ثلاثة خسوف، بالإضافة إلى نار تخرج من قعر عدن تجمع الناس وتحشرهم وتبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا.
في الصحيحين، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: “لقد خبأت لك خبأ”، فسأله ابن صياد عما هو الخبأ، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: “هو الدخان”، ثم قال لابن صياد: “إخسأ فلن تعدو قدرك”، وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه خبأ له قول الله تعالى: “فارتقب يوما تأتي السماء بدخان مبين”، وروى أبو مالك الأشعري رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن ربكم ينذركم بثلاثة: الدخان الذي يأخذ المؤمن كالزكام، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من جميع مسامعه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال”، ورواه ابن جرير ورواه الطبراني، وإسناده جيد.
حكى أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: `يثير الدخان الناس، فأما المؤمن فيأخذه كالزكام، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه.` وقال علي، رضي الله عنه: لم تمض آية الدخان بعد حتى يأخذ المؤمن الدخان كزكام وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه. وروى ابن جرير عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: ذهبت إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، ذات يوم، فقلت له: لم تنم الليلة؟ فقال: لأنه طلع الكوكب ذو الذنب، خشيت أن يكون الدخان قد طرق، فلم أنم حتى أصبحت. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، حبر الأمة، وترجمان القرآن
وهكذا قال من وافقه من الصحابة والتابعين، رضي الله عنهم أجمعين، من الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهم، التي أوردوها، والتي تحتوي على دلائل واضحة ومقنعة على أن الدخان من الآيات المنتظرة وهو مذكور في القرآن الكريم. قال الله تعالى: `فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين`، أي بدخان واضح يراه الجميع. وبحسب تفسير ابن مسعود، رضي الله عنه، فإنها كانت توهما يرونه في أعينهم نتيجة لشدة الجوع والتعب. وهكذا قوله تعالى: `يغشى الناس`، أي يتغشاهم ويجعلهم يعمهون. ولو كانت خيالية ومتعلقة بأهل مكة المشركين، لما قيل `يغشى الناس`. وقوله تعالى: `هذا عذاب أليم`، يقال لهم ذلك لإرغامهم وتوبيخهم، كما قال الله تعالى: `يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون` [سورة الطور: 13-14]. أو يقول بعضهم لبعض ذلك.