اسلامياتالقران الكريم

تفسير الآية ” يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب “

قال الله تعالى {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [سورة الزخرف: 71-72]

جدول المحتويات

تفسير ابن كثير

{يطاف عليهم بصحاف من ذهب} يعني آنية الطعام {وأكواب} وهي آنية الشراب من ذهب، لا تحتوي على خراطيم أو عروق، {وفيها ما يشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} يعني الطعم اللذيذ والرائحة الجميلة والمنظر الجذاب، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لا يدخل بعده الجنة أحد، يمتع برؤية مسيرة مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ، يكون كل بناء فيها مزخرفا، يتناول طعامه ويستريح على سبعين ألف صفحة من الذهب، وكل صفحة لها لون لا يوجد لون مماثل له في صفحة أخرى، يبقى شهوته في النهاية كما في البداية، لو نزل به جميع سكان الأرض لوفر عليهم ما أعطي، وهذا لا ينقص مما أعطي بقدر يذكر» [رواه عبد الرزاق عن ابن عباس بإسناد صحيح].

 وقوله تعالى: {وأنتم فيها} أي في الجنة {خالدون} أي لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولا، ثم قيل لهم على وجه التفضيل والامتنان: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} أي أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحد عمله الجنة ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات.

روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “يشاهد كل أهل النار منزله في الجنة، فيشعر بالحسرة ويقول: {لو أن الله هداني لكنت من المتقين}، ويشاهد كل أهل الجنة منزله في النار، فيشعر بالشكر ويقول: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}، وليس هناك شخص إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، ويأخذ المؤمن منزل الكافر في الجنة ويأخذ الكافر منزل المؤمن في النار، وذلك بما قال تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}، وهذا الحديث مروي عن أبي هريرة ورفعه ابن أبي حاتم

تفسير القرطبي

قوله تعالى: {يطاف عليهم بصحف من ذهب} يعطونهم في الجنة أطعمة وشرابا يطاف بهم على طاولات مصنوعة من الذهب والأكواب. ولم يتم ذكر الأطعمة والشراب لأنه يعلم أن الإشارة إلى الصحاف والأكواب تعني أنها تحتوي على شيء. وتم ذكر الذهب في الصحاف كبديل للإشارة إلى الأكواب، على غرار قوله تعالى: {وٱلذٰكرين ٱلله كثيرا وٱلذٰكرٰت} [سورة الأحزاب: 35]. وفي الصحيحين، سمع حذيفة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: `لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا من أواني الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة`.

وذكر في سورة الحج أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتوب عن ذلك في الآخرة بتحريم مؤيد. والله أعلم. وقد ذكروا المفسرون أنه سيطوف عليهم في الجنة طائفة من الغلمان السبعين ألفا بسبعين ألف ورقة من الذهب، يغدون عليها بها، وفي كل ورقة منها لون لا يشبه لون الأخرى، ويأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، وهم لا يتشابهون بينهم، ويستريح عليه بمثل هذا.

يطوف عليهم غلام بدرجة أعلى يوميا بمعدل سبعمائة ألف غلام، ومع كل غلام يأتي ورقة مطلية بالذهب، وعلى الورقة يوجد طعم ليس موجودا في الطعام الذي يأكلونه منها، ويأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، ولا يتشابه الأطعمة بينها. ويطوف عليهم أيضا بأكواب، كما قال تعالى في القرآن الكريم “ويطوف عليهم بآنية من فضة وأكواب” [سورة الإنسان: ١٥]. وذكر ابن المبارك أن شخصا قال: أخبرنا معمر عن رجل عن أبي قلابة قال: يقدمون لهم الطعام والشراب، فعندما يصلون إلى نهاية ذلك، يقدمون لهم شرابا طاهرا يجعل معدتهم تفور منه، ويفيض العرق من جلودهم برائحة أطيب من رائحة المسك. ثم يتلى في القرآن الكريم “شرابا طهورا” [سورة الإنسان: ٢١]

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام ؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير – في رواية – كما يلهمون النفس». روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)»وقال : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها» وهذا يقتضي التحريم، ولا خلاف في ذلك.

 واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك. قال ابن العربي : والحقيقة أنه لا يجوز للرجال استخدامها في أي شيء، بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الذهب والحرير: «هذان حرام على ذكور أمتي وحلال على إناثها». والنهي عن تناولها وشربها يعني أن استخدامها محرم، لأنها تصنف كأنواع من المتاع، فلا يجوز استعمالها. فالأصل فيها هو الأكل والشرب، ولأن السبب في ذلك هو التسرع في أمور الآخرة، وفي ذلك يتساوى الأكل والشرب وجميع أشكال الاستفادة؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: «هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة»، فلم يخصنا بها في الدنيا

وإذا كان الإناء مضبًبا بهما أو فيه حلقة منهما؛ فقال مالك: لا يعجبني أن يشرب فيه، وكذلك المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه. وقد كان عند أنس إناء مضبب بفضة وقال: لقد سقيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين : كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة؛ فقال أبو طلحة: لا أغير شيئا مما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتركه.

قوله تعالى: يحتوي الجنة على كل ما يرغب به الأشخاص ويسعدون به، ورواه الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: “هل يوجد خيل في الجنة؟” فأجاب: “سيدخلك الله الجنة، ولا يهمك أن تركب حصانا مصنوعا من ياقوتة حمراء يحلق بك في الجنة إلى أينما تشاء”. ثم سأله رجل آخر قائلا: “هل يوجد إبل في الجنة؟” فلم يجبه بنفس الإجابة، بل قال: “سيدخلك الله الجنة، وستجد فيها كل ما ترغب به نفسك وتسعد به عينك”، وستكونون في الجنة خالدين فيها لأنه إذا انقطعت عنكم فسوف تبغضونها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى