تفسير الآية ” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرا “
يا نبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، فبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا، ولا تطع الكافرين والمنافقين، ودع أذاهم، وتوكل على الله، وكفى بالله وكيلا.” [سورة الأحزاب: 45-48.]
تفسير الآيات ابن كثير :
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا }، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخَّاب (سخاب: أي كثير الصخب وهو الذي يرفع صوته في الأسواق) في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صما، وقلوباً غلفاً [ أخرجه البخاري والإمام أحمد عن عطاء بن يسار ].
وقال وهب بن منبه: إن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء إسرائيل يدعى شعياء أن قم في قومك بني إسرائيل، فإني سأوفقك لنطق كلامي بوحي، وسأرسل رسولا من بين الأميين، ليس بوحش ولا قاس ولا متكبر في الأسواق، فإذا مر بجانب مصباح لن يطفئه بحضوره الهادئ، وإذا مشى على القصب لن يسمع صوتا من تحت قدميه، سأرسله كنذير ومبشر، لا يكذب ولا يخون، سأفتح به عيونا كثيرة وآذانا صامتة وقلوبا مغلفة، سأوجهه لكل أمر جميل، وسأعطيه كل خلق كريم، وسأجعل السكينة ثوبه، والبركة شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة لغته، والصدق والوفاء طبعه، والعفو والإحسان خلقه، والحق شريعته، والعدل طريقه، والهداية إمامه، والإسلام دينه، وأحمد اسمه، سأهدي به الناس بعد الضلال، وسأعلم بهم بعد الجهل، وسأرفع بهم بعد الذل، وسأعرف بهم بعد الاستهانة، وسأكثر بهم بعد القلة، وسأغني بهم بعد الفقر، وسأجمع بهم بعد الانفراد، وسأصلح بهم بين الأمم المتباعدة والقلوب المتباينة والأهواء المتشتتة، وسأنجي بهم جماعة عظيمة من الناس من الهلاك، وسأجعل أمتهم أفضل أمة تخرج للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بوحدانية الله، وتصدق على رسلي، سألهمهم التسبيح والتحميد، والثناء والتكبير والتوحيد، في مساجدهم ومجالسهم وفراشهم وأماكنهم ومثواهم.
يقومون بالصلاة قياما وقعودا، ويقاتلون في سبيل الله في صفوف وزحوف، ويخرجون من ديارهم لكي يبتغوا مرضاتي بأعداد كبيرة. يطهرون وجوههم وأطرافهم ويشدون ثيابهم في منتصفها. قربانهم هو دماؤهم وأناجيلهم في قلوبهم. يعيشون كالرهبان في الليل وكالأسود في النهار. وأجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين والشهداء الصالحين. أمتهم بعدهم تهدي بالحق وتعدل به، وأنا أعزهم نصرا وأؤيدهم من يدعو لهم. وأجعل من يخالفهم أو يبغضهم أو يريد أن ينتزع منهم أي شيء يكون محاطا بالسوء. أجعلهم ورثة نبيهم ودعاة لربهم. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤدون الزكاة ويفيون بعهودهم التي ختمت بهم الخيرات التي بدأت بأوائلهم. هذا هو فضلي الذي أعطيته لمن أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم. [ذكره ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رحمة الله عليه].
وقال ابن عباس: عندما نزلت هذه الآية: “يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا”، كان من الواجب على علي ومعاذ أن يذهبا إلى اليمن. فقال: “اذهبا وبشرا ولا تنفرا، وسهلا ولا تعسرا، فقد أنزل الله هذه الآية عني: “يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا”. ويعني الله بـ “شاهدا” شاهدا على التوحيد وأنه لا إله إلا الله، وأن الناس سيحاسبون على أعمالهم في يوم القيامة، ويقول الله في القرآن: “وجئنا بك على هؤلاء شهيدا” [النساء: 41]، وهذا يشير إلى قوله: “لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” [البقرة: 143]. ويعني الله بـ “مبشرا ونذيرا” بشارة للمؤمنين بالثواب الكثير، وتحذيرا للكافرين من العذاب. ويقول الله تعالى: “وداعيا إلى الله بإذنه”، أي داعيا الخلق إلى عبادة ربهم.
والمراد بـ `{وسراجا منيرا}` هو أن أمرك والحق الذي جئت به واضح كالشمس في إشراقها وإضاءتها، ولا يستطيع معاند استحضار شيء يجحد هذا الحق. وقوله تعالى `{ولا تطع الكافرين والمنافقين} ودع أذاهم` يعني عدم الاتباع لهم وعدم الاستماع لما يقولونه، والتجاوز عن أذاهم بالصفح وترك الأمر لله تعالى، ولهذا السبب قال الله تعالى: `{وتوكل على الله وكفىٰ بالله وكيلا}` .