تفسير الآية ” ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم “
قال الله تعالى في سورة التوبة: “وما منعهم أن يقبلوا نفقاتهم منهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله، ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون، ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم، ولكنهم قوم يفرقون.
تفسير الآية ابن كثير
{وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم}” يشير هذا البيت إلى أنه لا يوجد مانع يمنع الناس من تقديم نفقاتهم، وقد ذكر ذلك ابن جرير في كتاب اللباب، وقد ذكر الجد بن قيس للرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعاه للجهاد: “إني رأيت لم أصبر ولكن أعينك بمالي”، فنزلت فيه الآيات التي تدل على أن مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو مكرهين، لن يتم قبولها منكم إذا كنتم قوما فاسقين، وخبر تعالى عن سبب ذلك وهو أنه لا يتم قبولهم إلا إذا كفروا بالله وبرسوله، وأن الأعمال الصالحة لا تصح إلا بالإيمان.
يأتون للصلاة وهم كسالى، أي ليس لديهم قدم صحيحة ولا همة في العمل، ولا ينفقون المال إلا وهم كارهون. وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لا يمل حتى نمل، وأن الله يقبل الطيبات فقط، لذلك لا يقبل الله من هؤلاء الأشخاص أي نفقة أو عمل، لأنه يقبل فقط من المتقين.
يقول تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم: لا تتعجب من أموالهم ولا من أولادهم، كما قال الله تعالى: “ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى”، وقال أيضا: “إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا”، وقد قال الحسن البصري: يعني بزكاتها والنفقة منها في سبيل الله، وقال قتادة: هذا أمر مؤجل ومعلوم: فلا تتعجب من أموالهم ولا من أولادهم في الحياة الدنيا، فإن الله يريد بهم أن يعذبهم في الآخرة، واختار ابن جرير قول الحسن، وهو القول الأقوى والأحسن.
وقوله: ويرغب في أن يقتلهم وهم كافرون، أي يرغب في إيقاظهم وإعاقتهم عندما يكونون في حالة الكفر، ليكون ذلك أشد عذابا وأكثر إيلاما لهم. نعوذ بالله من ذلك، وهذا يأتي من باب الاستدراج لهم لكي يقعوا فيه، وهم لا يدركون ذلك. يخبر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن رغبتهم الملحة ورهبتهم وتفرقهم وهلعهم بأنهم يقسمون بالله بتأكيد أنهم منكم، ولكنهم في الحقيقة ليسوا منكم، بل هم قوم يفرقون، أي هو الذي دفعهم للحلف بهذا.
تفسير الآية القرطبي
فيه ثلاث مسائل: هناك ثلاث نقاط في هذا النص: الأولى، أنه لم يمنع الكفار من دفع النفقات إلا كفرهم، وقد قرأ الكوفيون “أن يقبل منهم” بالياء، لأن النفقات والإنفاق واحد. الثانية، أن الكسل في العبادة يورثه النفاق. الثالثة، أن النفقات التي ينفقها الكارهون لا تقبل عند الله.
لا تستحسن ما أعطيناهم من أموالهم ولا أولادهم، فإنها تمثل استدراجا، والله يريد بها عذابهم. والمعنى في الكلام قد يكون بإخراج الزكاة والإنفاق في سبيل الله، وهذا اختيار الطبري. وقال ابن عباس وقتادة: المعنى أنه لا ينبغي أن تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، لأن الله يريد بها عذابهم في الآخرة. وهذا قول أكثر أهل العربية، وذكره النحاس. ويقال إن الله سيعذبهم بالتعب في الجمع. وعلى هذا التأويل وقول الحسن، لا يوجد تفضيل أو تأخير، وهذا حسن.
وقيل : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، فإنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا لأنهم منافقون، فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون، وتزهق أنفسهم وهم كافرون” يعني أن الله يريد أن يموتوا كافرين، وسبق بذلك القضاء، ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون، والفرق الخوف، أي يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا.