تفسير الآية ” وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه “
يا أيها الذين آمنوا، لا تدخلوا بيوت النبي إلا بإذنه لتأكلوا طعاما غير مراقبين له، ولكن عندما تدعوا إلى الطعام، فادخلوا وأكلوا ثم انتشروا، ولا تجلسوا للحديث معه حتى يغادر، فإن ذلك يسبب له إزعاجا، ولكن الله لا يستحيي من الحق. وإذا طلبتم من نساء النبي متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، فذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن، ولا يجوز لكم أن تؤذوا رسول الله أو تتزوجوا أزواجه بعده أبدا، فإن ذلك عند الله عظيم.
سبب نزول الآية { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ }:
قال ابن عباس: نزلت في رجل همَّ أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده، قال رجل لسفيان : أهي عائشة ؟ قال : قد ذكروا ذلك، وقال السدي : إن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك، ولهذا أجمع العلماء قاطبة على من أن توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم، وقد عظم الله تبارك وتعالى ذلك وشدد فيه وتوعد عليه بقوله: { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا }.
وقيل نزلت الآية في طلحة بن عبيد الله، قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه بعده، فأنزل الله هذه الآية، أخرجه ابن أبي حاتم وأخرج جوبير عن ابن عباس: أن رجلاً أتى بعض أزواج الرسول فكلمها، وهو ابن عم لها، فكره الرسول ذلك، فقال الرجل: يمنعني من كلام ابنة عمي، لأتزوجنها من بعده فنزلت الآية، قال ابن عباس: فأعتق ذلك الرجل رقبة، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله وحج ماشياً، توبة من كلمته.
تفسير الآية ابن كثير :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ } حظر الله تعالى على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأخبرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ثم استثنى من ذلك فقال تعالى: { إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي غير متحينين نضجه واستواءه، أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه؛ وهذا دليل على تحريم التطفيل وهو الذي تسميه العرب الضيفن (صنّف الخطيب البغدادي كتاباً في ذم الطفيليين وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها).
ثم قال تعالى: {ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا}” – قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره”، وفي الصحيح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهديت إلي كراعا لقبلت، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا في الأرض.
ولهذا قال تعالى: وهم لم يشاركوا في الحديث، كما حدث مع الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث. وقال البخاري في حديثه عن أنس بن مالك: عندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا الناس ليتناولوا الطعام وجلسوا يتحدثون، ثم استعد النبي صلى الله عليه وسلم للقيام، لكن الناس لم يقوموا معه، فقام وتبعه بعض الناس وجلسوا معه، وبقي ثلاثة أشخاص جالسين. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فوجد الناس جالسين، وعندما رأوه قاموا وانطلقوا، فأخبر أنس بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم الغرفة.
{ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ } وقيل: يقصد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يسبب له الشقاء والألم، ولكن كان يكره أن ينهاكم عن ذلك بسبب شدة حيائه، حتى نزل الله عليه النهي بذلك. ولهذا قال تعالى “والله لا يستحيي من الحق”، أي نهاكم عن ذلك وينهاكم عنه. ثم قال تعالى “وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب”، أي كما نهيتم عن الدخول عليهن فلا تنظروا إليهن بشكل كامل، وإذا كان لأي شخص حاجة يريد تلبيتها منهن فلا ينظر إليهن مباشرة ويسألهن من وراء حجاب.
يعني هذا الذي أمر به الله وشرعه لكم من الحجاب أنه أطهر وأطيب لقلوبكم وقلوب النساء، وقوله تعالى: “ولم يكن لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما”، وذلك لأنه إذا مات الرسول فلا يحل لأحد الزواج من زوجاته، فهن أمهات المؤمنين، لأن ذلك يؤذي الرسول، ثم يقول تعالى: “إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما”، أي مهما كانت الأفكار الخفية والأسرار التي تحويها ضمائركم، فإن الله يعلم بها، وإنه لا يخفى عليه شيء من خفايا الصدور، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.