تفسير الآية ” ولما ضرب ابن مريم مثلا ” وسبب نزولها
ذكر الله تعالى في سورة الزخرف الآية الخامسة والخمسين: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}
سبب نزول الآية
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير». فقالوا له: ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا فقد كان يعبد من دون الله؟ فأنزل الله عز وجل: { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } [أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما]، وقال مجاهد في قوله تعالى: { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون }، قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عليه السلام.
تفسير الآية ابن كثير
قول تعالى مخبراً عن تعنت قريش في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل: {وعندما قدم ابن مريم مثالا واضحا، إذا كان قومك مندهشين ومبتهجين} قال ابن عباس: يبتسمون ويعجبون بذلك، وقال قتادة: ينزعجون ويبتسمون، وقال النخعي: يستعرضون، وكان السبب في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة، عندما قال: وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد، ثم جاء النضر بن الحارث وجلس معهم، وفي المجلس كان هناك أشخاص آخرون من قريش.
فتكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء:98] الآيات؛ ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأقبل عبد اللّه بن الزبعري حتى جلس فقال الوليد بن المغيرة له: واللّه ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب، وما قعد، وقد زعم محمد أنَّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم.
فقال عبد اللّه بن الزبعري: لو وجدته، فسأخاصمه بالله، فهل يأكل محمد ما يعبدونه من دون الله في الجحيم؟ مثلما نحن نعبد الملائكة، واليهود يعبدون عزيرا، والنصارى يعبدون المسيح بن مريم.” فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبير، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته.” فأنزل الله عز وجل: “إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون” [الأنبياء: 101] أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله عز وجل، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله.
نزل فيما يذكر من أمر عيسى عليه السلام، وأنه يعبد غير الله بقوله: { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون }، أي يصدون عن أمرك بذلك. ثم ذكر عيسى عليه السلام فقال: { إنه إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون } [سورة الزخرف: 59-61]. أي ما وضع على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلا على علم الساعة، يقول: { فلا تمترن بها واتبعوا هذا صراطا مستقيما } [ذكر به ابن أبي إسحاق في السيرة، ورواه ابن جرير بنحوه].