تفسير الآية ” وتخفي في نفسك ما الله مبديه ” وسبب نزولها
{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا } [سورة الأحزاب: 37]
سبب نزول الآية ابن كثير:
يقول تعالى مخبراً عن نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه قال لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الذي أنعم الله عليه أي بالإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } أي بالعتق من الرق، وكان سيداً كبير الشأن جليل القدر، حبيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الحِب ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب قالت عائشة رضي الله عنها: ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمّره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه [ أخرجه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها ].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوّجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأصدقها عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً وملحفة ودرعاً، فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «أمسك عليك زوجك واتق الله»
قال الله تعالى: روى ابن أبي حاتم عن علي بن زيد بن جدعان قال: تسألني علي بن الحسين رضي الله عنهما عن قول الحسن في قوله تعالى: { وتخفي في نفسك ما الله مبديه }؟ فذكرت له، فقال: لا، ولكن الله تعالى أعلم نبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما جاءه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» فقال: قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه، والله أحق أن تخشاه بدلا من الناس.
روى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو قام محمد صلى الله عليه وسلم بإخفاء أي شيء مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى، لكان يخشى أن يتهم بالتزوير، وقد قال الله تعالى في القرآن: “وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه”. وأيضا قوله تعالى: “فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها”، والوطر هنا يعني الحاجة والأرب، أي عندما انتهى زيد منها وطلقها، تزوجناكها، وكان الله عز وجل هو الذي كان متوليا لتزويجها، وأوحى إليه أن يتزوجها بدون ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر. وعن أنس رضي الله عنه، قال: عندما انتهت عدة زينب رضي الله عنها، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: “اذهب وأذكرها بالزواج”. فذهب حتى وصل إليها وهي تعجن العجين، وعندما رأيتها، أحسست بتوتر في صدري حتى لم أتمكن من النظر إليها، وقلت في نفسي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها. فتحولت وأعطست وقلت: يا زينب، فرحي، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبرك. فقالت زينب: “ما أفعل شيئا حتى يأمرني ربي عز وجل.
خرجت المرأة إلى مسجدها ونزلت القرآن، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل عليها بدون إذن، وقد شاهدتنا عندما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمنا من الخبز واللحم، وبعد خروج الناس، بقي بعض الرجال يتحدثون في البيت بعد الطعام. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته المرأة، وبدأ يتتبع حجر النساء، يسلم عليهن ويسألهن عن حالهن، ويقول لهن: “يا رسول الله، فكيف وجدت أهلك؟.” ولم أدر ما إذا كنت أخبرته أن الناس قد خرجوا أم لا. ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو البيت، ودخلت المرأة معه، فألقى الستر بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل الحجاب، ووعظ الناس، وذكر لهم الآية التي تقول: “لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم”، وروى هذا الحديث الإمام أحمد ورواه مسلم والنسائي بشكل مشابه
ذكر البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قائلا: “كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها تتفاخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: زوجاتكم من عائلتكم، وزوجني الله تعالى من فوق السبع السماوات.” (رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك)
وقوله تعالى: { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } أي أننا نريد تزويجها ونقوم بذلك لكي لا يكون هناك حرج على المؤمنين في تزويج المطلقات الأدعياء، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة رضي الله عنه، فكان يقال له زيد بن محمد، ولكن عندما قطع الله تعالى هذه النسبة بقوله تعالى: { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } [الأحزاب:4] زاد ذلك بيانا وتأكيدا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجزينب بنت جحش رضي الله عنها بعد طلاق زيد بن حارثة، ولذلك قال تعالى في آية التحريم { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } [النساء:23] لتحذير المؤمنين من الزواج من الأبناء الدعاة، وقوله تعالى: { وكان أمر الله مفعولا } يعني أن هذا الأمر وقع بقدرة الله تعالى وحتميته، وأن زينب رضي الله عنها كانت ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة الله.