تفسير الآية ” هل آتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب “
{ هل وصلتك أخبار الخصم عندما تجاوزوا الحاجز ودخلوا على داود؟ فزع داود منهم وقال لا تخف، إنهم خصمان يتجاوز كل منهم حدوده في البغي على الآخر. فاحكم بيننا بالحق ولا تميل لأحد واهدنا إلى الصراط المستقيم. إن هذا المشترك معي له تسع وتسعون نعجة ولدي نعجة واحدة فقال لي أعطني إياها وأعزني في النقاش. قال داود لقد ظلمك بطلب نعجتك ليضمها إلى نعاجه. وإن كثيرا من الأصحاب الشريرين يتجاوز كل منهم حدوده في البغي على الآخر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعددهم قليل. وظن داود أنما فتناه بهذا الأمر، فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب إليه. فغفرنا له ذلك وإن له عندنا منزلا قريبا ومكانا جميلا } [سورة ص: 21-25]
تفسير الآيات ابن كثير :
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } يقول ابن كثير: ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثاً، لا يصح سنده، لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنَس رضي الله عنه، ويزيد وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة؛ فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يُرَدَّ علمها إلى الله عزَّ وجلَّ، فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضاً، زعموا أن المراد بالخصم جبريل وميكائيل، وضمير الجمع في: تسوروا، يرجع إليهما، حملاً على لفظ الخصم. والنعجة: كناية عن المرأة، والمراد: أم سليمان، وكانت امرأة أوريا قبل داود، إلى آخر ما هنالك من أقوال غير صحيحة.
وقوله تعالى: وقع الذعر فيه بسبب شخصين دخلا إلى محرابه، وهو الأكثر أهمية في منزله، لأنه أمر بعدم السماح لأي شخص بالدخول إليه في ذلك اليوم. لم يشعر إلا بحضورهما، فتسورا عليه المحراب، واستفسرا منه عن شأنهما. وقد قال الله تعالى: {وعزني في الخطاب}، والمقصود بالعز هو القهر والغلبة، وقد قال تعالى: {وظن داوود أنما فتناه}، وقال ابن عباس: يعني اختبرناه، وقال الله تعالى: {وخر راكعا وأناب}، أي سجد ورجع وتاب، ويمكن أن يكون قد ركع أولا ومن ثم سجد. {فغفرنا له ذٰلك}، أي ما قدم منه من الحسنات والسيئات.
تختلف الآراء بين الأئمة حول سجدة ص: هل تعتبر من عزائم السجود؟ هناك رأيان: الرأي الجديد في مذهب الشافعي هو أنها ليست من عزائم السجود، بل هي سجدة شكر. والدليل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: “السجدة في ص ليست من عزائم السجود”، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سجد فيها. وقد ذكر هذا الحديث في الكتب التالية: البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد، وقال الترمذي: “حسن صحي
وروى البخاري عند تفسيرها عن العوام قال: سألت مجاهدا عن سجدة الصه، فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ { ومن ذريته داود وسليمان} ، { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } [الأنعام:90]، فداود عليه الصلاة والسلام هو الذي قام بالسجود فيها، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسجود فيها أيضا.
وقوله تعالى: يعني “وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب” أن له يوم القيامة درجات عالية في الجنة، لأن توبته وعدله التام في ملكه تجعله قريبا من الله وله قربة عنده، ومرتبته العالية في الجنة، كما ورد في الحديث الصحيح: “المقسطون على منابر من نور، عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يقسطون في أهليهم وما ولوا”. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأقربهم منه مجلسا إمام عادل، وأن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر” وهذا حديث صحيح، ورواه الإمام أحمد والترمذي