تفسير الآية ” لهم غرف من فوقها غرف مبنية “
{ أفمن يستحق عليه عذاب الله؟ فهل تستطيع أن تنقذ من في النار؟ ولكن الذين يتقون ربهم لهم غرف مشيدة فوقها غرف، وتجري من تحتها الأنهار. هذا وعد الله، والله لا يخلف الميعاد } [سورة الزمر: 19-20]، تفسير الآيات للإمام ابن كثير، رحمة الله عليه، مع بيان المعنى الجمالي والبياني فيه.
تفسير الآيات ابن كثير :
{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } يقول الله تعالى: أفمن كتب الله أنه شقي هل تقدر أن تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟ أي لا يهديه أحد من بعد الله، { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ } ثم أخبر الله عزَّ وجلَّ عن عباده السعداء الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه، { لَهُمْ غُرَفٌ } أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة، { غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ } طباق فوق طباق، مبنيات محكمات، مزخرفات عاليات، قال ابن عباس رضي الله عنهما : من زبرجد وياقوت.
وفي صحيح البخاري: « إن في الجنة لغرفاً يرى بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها » فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : « لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام » [ أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب ]، وروى الإمام أحمد، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في أفق السماء » [ أخرجه أحمد ورواه الشيخان بلفظ: كما تراءون الكوكب الذي في الأفق الشرقي أو الغربي ].
وروى الإمام أحمد رحمه الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: `يا رسول الله! إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا، وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد.` فقال صلى الله عليه وسلم: `لو كنتم على كل حال عندي كما أنتم عند رؤيتي، لصافحكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم. ولو لم تذنبوا لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون ليغفر لهم.` ثم قالوا: `يا رسول الله، حدثنا عن الجنة، ما بناؤها؟` فقال صلى الله عليه وسلم: `لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وبلاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران. من دخلها نعم ولا يشقى، ويبقى فيها إلى الأبد، لا تتلف ثيابه، ولا يفنى شبابه. هناك ثلاثة أشخاص لن ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب تبارك وتعالى: `وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين`.` هذا حديث رواه الإمام أحمد ورواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.
وقوله تعالى: تجري الأنهار تحتها بحرية، حيث يمكن للركاب التنقل فيها بأي شكل يشاؤون، ووعد الله المذكور هو وعده لعباده المؤمنين، والله لا يخلف وعده لهم، بل يفي بوعده.