تفسير الآية ” فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم “
قال الله تعالى { فلما رأوه ينكرونه متجاهلينه قالوا هذا مظهر مطرنا بل هو ما عجلتم به ريح فيها عذاب شديد (24) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم هكذا نجازي الأشرار } [سورة الأحقاف: 24-25
تفسير الآية القرطبي
قال الله تعالى: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم} يعني عندما رأوا العذاب يقترب منهم في المستقبل، اعتقدوا أنه علامة على هطول المطر، ففرحوا واستبشروا به، وكانوا في حاجة ماسة إلى المطر. قال الله تعالى: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} أي إنه العذاب الذي كنتم تسرعون في طلبه، فأتونا بما وعدتمونا إذا كنتم صادقين، {تدمر} أي تخرب، {كل شيء} من بلادهم، وتتسبب في الدمار.
{بأمر ربها} أي بإذن الله لها في ذلك، كما قال الله سبحانه وتعالى: {ما يأتي عليها من شيء إلا جعلته كالرميم} [الذاريات: 42]، أي كالشيء البالي، ولهذا قال الله عز وجل: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم}، أي قد انتهت همومهم جميعا ولم يتبقى لهم شيء، {كذلك نجزي القوم المجرمين}، أي هذا هو حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا.
يروى أن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان، يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة، فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا أسير فأفاديه، اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي منها اختر، فأومأ إلى سحابة سوداء، فنودي منها خذها رماداً رِمْدَداً أي كثير دقيق جداً، لا تبقي من عاد أحداً، فما أرسل عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في الخاتم حتى هلكوا، قال أبو وائل: وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم، قالوا: لا تكن كوافد عاد [ أخرجه الإمام أحمد عن الحارث البكري. وهو حديث غريب كما قال ابن كثير من غرائب الحديث وأفراده].
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك بشكل مستجمع حتى أرى تجاويز مثل هذا الضحك، بل كان يبتسم فقط. وقالت: عندما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيمة أو يشعر بنسمة هواء، يظهر ذلك على وجهه. قالت: يا رسول الله، عندما يرون الناس الغيوم يفرحون آملين في هطول المطر، وأما أنا فعندما أراك وجهك يدل على الاشمئزاز؟ فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: `يا عائشة، ليس بالضرورة أن يكون فيها عذاب، فقد عذب الله قوما بالرياح، ولقد رأيت قوما يعاقبون وقالوا: هذا يبشرنا بالمطر`، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ورواه البخاري ومسلم من حديث ابن وهب عن عائشة رضي الله عنها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: عندما تهب الرياح، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: `اللهم، أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به.` عندما تتغير لونها وتتحرك السماء وتمطر بغزارة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك، وعائشة رضي الله عنها سألته عن ذلك، فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: `ربما هذه هي مطرة قوم عاد، عندما رأوا مظهر السحاب المتجه نحو واديهم قالوا: هذا هو السحاب الذي سيمطرنا.` (رواه مسلم في صحيحه)