اسلامياتالقران الكريم

تفسير « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله »

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [سورة النساء: 64-65]، بعض المسلمين يأخذون هذه دليل على شد الرحال إلى قبر رسول الله صل الله عليه وسلم حتى يسأل رسول الله أن يستغفر له، بيان رأي العلماء في ذلك العمل هل هو صحيح، وهل المعنى في الآيات يوافق رأيهم؟

جدول المحتويات

معنى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفر لهم الرسول

يوضح لنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز معنى هذه الآية: في هذه الآية يتم التشديد على الأمة بضرورة القدوم إليه (صلى الله عليه وسلم) إذا اقترفوا أي خطأ أو انتهكوا حرمات الله، سواء كانت معاص صغيرة أو ذنوبا أكبر من ذلك، فعليهم أن يأتوا إليه تائبين نادمين، حتى يستغفر لهم النبي (صلى الله عليه وسلم). والهدف من هذا القدوم هو القدوم إليه أثناء حياته (صلى الله عليه وسلم)، وهو الدعوة التي وجهها للمنافقين وغيرهم ليعلنوا توبتهم واستعدادهم للعودة إلى الله، وطلبوا من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يسأل الله أن يقبل توبتهم وأن يصلح أحوالهم. ولهذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله” [النساء: 64]، فإن طاعة الرسول لا تكون إلا بإذن الله تعالى، وهذا يعني الإذن الإلهي والقدري. فمن أذن الله وأراد هدايته، فقد اهتدى، ومن لم يحصل له إذن الله في هدايته، فإنه لن يهتدي. فالأمر بيد الله سبحانه، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. “وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما” [الإنسان: 30].

حكم زيارة قبر النبي 


لو ظلموا أنفسهم وجاءوك مستغفرين، فاستغفر لهم الرسول واستجاب الله لهم بتوبتهم، لأن الآيات تحث العباد على الاستغفار والتوبة، وعلى الاقتراب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنوا توبتهم ويطلبوا من الله الهداية في حياتهم، وليس بعد موته، كما يعتقد الجهلاء، والحضور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ليس مشروعا، بل يأتي للسلام عليه لمن كان في المدينة أو قد وصلها للصلاة في المسجد والقراءة.

والأصل أنه إذا أتى مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم، سلم على رسول الله وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحال من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل زيارة المسجد، وتكون الزيارة لقبره صل الله عليه وسلم، وقبر أبو بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما تابعة لزيارة المسجد؛ لقوله صل الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» [متفق على صحته].

سبب نزول الآية {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}:
عن الزبير بن العوام: خاصم رجلا من الأنصار الذي شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج بالحرة، حيث كان كل منهما يسقي النخل، فقال الأنصاري: `دع الماء يمر`، لكن الزبير رفض ذلك. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك`، فغضب الأنصاري وقال: `يا رسول الله، أليس هو ابن عمتك؟` فظهرت على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علامات الغضب، ثم قال: `اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يعود إلى الجدرة`. فاستوعب رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الزبير، وكان رسول الله قبل ذلك قد أشار إلى الزبير بأن يرضي الجميع، وعندما حفظ الأنصاري حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تم تأكيد حق الزبير في الحكم بوضوح، ويقول الزبير: `لم أحسب أن هذه الآية تطبق إلا في تلك الحالة: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما`

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى