تفسير « فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون »
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: في هذه الآية [43]، يتم بيان إن كان سؤال أهل الذكر يتعلق بالأمور الدينية والدنيوية، أم هو مقصور فقط على الأمور الدينية مثل الفرائض والسنن، ويتم التوضيح عن معنى الذكر في هذه الآية ومن هم أهل الذكر والمقصود من سؤالهم، ويتم الإجابة على هذه الأسئلة من خلال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
المعنى العام لكلمة الذكر:
وضح لنا فضيلة الشيخ أن الذكر يشير إلى القرآن، كما في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9]، وفي قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتوضيح للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل:44]، ويشير أيضا إلى اللوح المحفوظ، كما في قوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء:105] فالزبور هو الكتب السماوية، والذكر هو اللوح المحفوظ، فحكم الله تعالى بأن الصالحين هم الذين ينصرون في الدنيا والآخرة، فلهم السعادة في الدنيا، والفوز بسكنى جنات النعيم في الآخرة، ويشير الذكر أيضا إلى الشرف والرفعة، وإلى ذكر الناس لربهم، وذكر الله لهم، وغير ذلك من المعاني التي يمكن أن تفهم لمن يتابع آيات القرآن ولغة العربية.
المراد بالذكر في {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}:
ولكن المراد بالذكر في قوله تعالى: {ما أرسلنا قبلك إلا رسلا نوحي إليهم فاستفسروا أهل الذكر إن لم تكونوا تعلمون (43) بالبينات والزبر}” [سورة النحل: 43-44] وفي قوله: “{ما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاستفسروا أهل الذكر إن لم تكونوا تعلمون (7) وما جعلناهم أجسادا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين (8) ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين (9)}” [سورة الأنبياء: 7-9] هو الكتب المنزلة على الرسل قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أهل الذكر هم الذين أنزلت هذه الكتب على رسلهم، مثل اليهود والنصارى، والمشركون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين أمر بسؤالهم، إذ أنكروا أن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله لأنه كان إنسانا، بينما كان الرسل الذين سبقوه من الملائكة. وأهل الذكر من اليهود والنصارى قد أخبروهم بأن جميع الرسل الذين سبقوه كانوا إنسانا وليسوا من الملائكة.
هل يتعلق سؤال أهل الذكر بالأمور الدنيوية والدينية؟ أم يقتصر فقط على الأمور الدينية مثل الفرائض والسنن؟
هاتين الآيتين وإن نزلتا في أمر المشركين أن يسألوا أهل الكتب السابقة عن رسلهم ليتبين لهم أنهم من البشر، فهما دالتان على أمر كل من يجهل شيئًا ينفعه أن يسأل عنه أهل العلم به ليستفيد ما يعود عليه بالخير، وينهض به في دينه ودنياه، ويدخل في ذلك شؤون الدين أولًا، وما يحتاجه من شؤون الدنيا التي لها تعلق بالدين، فإن المكلف مأمور أن يعمل لدينه ودنياه.