تفسير « إنما يخشى الله من عباده العلماء »
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الآية 28 أن هذه الآية عظيمة وتدل على أن العلماء – وهم العلماء بالله ودينه وكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم – هم أكمل الناس خشية لله، وأكملهم تقوى لله وطاعة له سبحانه وتعالى، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم السلام
تفسير {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ}:
أي الخشية الكاملة من عباده العلماء وهم الذين عرفوا ربهم بأسمائه، وصفاته، وعظيم حقه سبحانه وتعالى، وتبصروا في شريعته، وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه، وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره، فهم لكمال علمهم بالله، وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله، وأكثر الناس خوفًا من الله وتعظيمًا له سبحانه وتعالى.
هل تعني هذه الآية أن الله لا يخشى إلا العلماء؟
وليس معنى الآية: العلماء هم الوحيدون الذين يخشون الله. فكل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشون الله ويهابونه، ولكن مدى الخوف يختلف بينهم. كلما كان المؤمن أكثر علما بالله وأفقه في دينه، زاد خوفه وخشيته لله. وبالمثل، كلما كانت المؤمنة أكثر علما بالله، وبصفاته، وبحقوقه العظيمة، زاد خوفها وكمال خشيتها لله بالمقارنة مع الآخرين. جميع المؤمنين والمؤمنات يخشون الله وفقا لمعرفتهم ودرجاتهم في الإيمان.
هل الخشية عند العلماء متفاوتة ؟
كلما قل العلم، وقلت البصيرة قل الخوف من الله، وقلت الخشية له سبحانه فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون فكلما كان العالم أعلم بالله وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه، وأعلم بأسمائه وصفاته، كانت خشيته لله أكمل ممن دونه في هذه الصفات، وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله، وهم مأجورون على خشيتهم لله وإن كانوا غير علماء وكانوا من العامة، لكن كمال الخشية للعلماء؛ لكمال بصيرتهم وكمال علمهم بالله، فتكون خشيتهم لله أعظم وبهذا يتضح المعنى المراد من الآية الكريمة.
آيات من القرآن الكريم تحث على الخشية من الله:
– يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:7- 8].
– يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12].
– يقول الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46].
فوائد الخشية من الله:
– يقول الله تعالى في كتابه الكريم: تشير الآيات {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} و{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] إلى أن الشخص الذي يخشى ربه بصدق وإخلاص في الغيب سيحصل على أجر كبير ومغفرة من الله.
يعتبر المؤمن الذي يخشى الله ويتقيه شخصا عالما بدينه وملتزما بحقوقه، فالخوف والتقوى هما السبيل لتحصيل العلم الحقيقي.
تحقق السعادة في الدارين بالخشية من الله، إذ يحصل المؤمن أو المؤمنة على رضا الله وحبه في الدنيا، وعلى نعيم الآخرة الموعود به لمن يخشى الله ويعمل بطاعته.