تعريف علم المقاصد
ماهو علم المقاصد
علم المقاصد هو علم مرتبط أصول الدين وأصول والفقه وقواعد الفقه معًا ، فهو علم يهتم بالضوابط الشرعية ، التي تفرق بين المصالح والمفاسد في حال تعارضهما ، وكلمة المقصد لها أكثر من معنى لغويًا ، ومنها : استقامة الطريق أو الاعتماد أو التوجه ، فبشكل عام ان علم المقاصد هو علم يهتم بالأهداف التي تريد الشريعة الإسلامية تحقيقها ، من خلال أحكامها الشرعية.
والأهداف التي تسعى الشريعة الإسلامية لتحقيقها هي الضروريات الخمس وهم : الحفاظ على النفس والدين والنسل والعقل والمال، بالإضافة إلى تلبية الحاجيات والتحسينات.
يُنقسم علم المقاصد إلى مقاصد عامة ومقاصد خاصة، وهو عبارة عن جانب من جوانب أصول الفقه بالشريعة الإسلامية، حيث يتناول مقاصد السنة النبوية الشريفة ومقاصد القرآن الكريم ومقاصد الشريع من ضروريات الحياة والحاجيات والتحسينيات بالترتيب.
المقاصد الشرعية العامة والخاصة
كما ذكرنا سابقًا أن علم المقاصد ينقسم إلى قسمين هامين : المقاصد عامة ، والمقاصد خاصة.
1- الهدف العام هو تحقيق الأهداف التي تخدم مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة، من خلال تطبيق كل أحكام الشريعة الإسلامية بشكل صحيح وشامل كما جعلها الله سبحانه وتعالى.
2- المقاصد الخاصة هي تحقيق أهداف محددة في مجالات معينة من الحياة، مثل المجال السياسي أو الاقتصادي أو التجاري أو مجال الأحوال الشخصية الذي ينظم العلاقات الأسرية، وذلك عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية بالتفصيل كما جاءت من الله تعالى في ذلك المجال.
يجب مراعاة أن جميع المقاصد الشرعية في الإسلام مكملة لبعضها البعض، وتؤدي أهدافها في حال تجانسها، ولا يجوز تطبيق بعضها وتجاهل البعض الآخر، وإلا سيحدث اضطراب في المنظومة وتعارض في المصالح المراد تحقيقتها.
صدق الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون”، الآية 85 من سورة البقرة.
وقد قال الله تعالى في بداية سورة البقرة: `يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة`، الآية 205.
المعنى الذي يتم استخلاصه من الآيات الكريمة السابقة هو العمل على تطبيق جميع أحكام الشريعة الإسلامية، سواء كانت عامة أو خاصة.
المقاصد التي تسعى الشريعة الإسلامية لتحقيقها
تنقسم مقاصد التشريع إلى ضروريات وحاجيات وتحسينات، وتختلف المقاصد في عهد الصحابة والمذاهب والعصر الحديث، وذلك كما يلي:
مقاصد التشريع عن الضروريات
هناك أمور لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها، ويجب إنجازها، حيث أنها تحدث اضطرابًا وخللا في مصالح الناس في الدنيا والآخرة، وتنقسم هذه الضروريات إلى خمسة أقسام: حفظ الدين والنسل والنفس والمال والعقل.
أولا : يشمل حفظ الدين الأحكام التفصيلية في الدعوة إلى الدين، والأدلة المذكورة في الشريعة على صحتها وبطلان الأديان الأخرى، والعقوبة المنصوص عليها للمرتد عن الدين، وتشريع الجهاد في سبيل الله والدعوة للدين، وأركان الإسلام وشعائره وعباداته، وكل ما يتعلق بحفظ الدين لمنع التلاعب به.
ثانيًا : حفظ النفس هو مجموعة من القوانين التفصيلية في الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى دعم المظلومين في كل مكان، حتى إذا كان ذلك يتطلب الدخول في حرب. وقد شرعها الله في باب الجهاد في سبيل الله. وتتضمن بعض التسهيلات التي أقرها الله لحفظ النفس في حالة جيدة، مثل ترخيص الإفطار أثناء السفر للصائمين. وقد شرع الله أيضا قبول الدية كفارة للقتل، وذلك لحماية النفس. وتتجلى أحكام الشريعة الإسلامية في حفظ النفس أيضا في قبول الدية للأعضاء المفصولة من جسم الإنسان.
ثالثًا : حرصا على الامتثال لأمر الله بعدم التواكل والاستمرار في السعي على الرزق، يتضمن الشريعة الإسلامية أحكاما دقيقة تنظم التعاملات المالية بين الأفراد، وتهدف إلى الحفاظ على الأموال والحقوق، كما أمر الله بكسب المال الحلال ونهى عن الغش والسرقة والاعتداء على ممتلكات الآخرين، ووضع حدود وأحكاما تطبق على السارق، ونهى عن الإسراف وصرف الأموال في غير موضعها، كما نهى عن البخل بالأموال، وتفصيل ذلك موجود في الشريعة الإسلامية.
رابعًا : شرع الإسلام الزواج الحلال لحفظ النسل الإنساني، وتعمير الأرض به، ووضع أحكام تفصيلية لتربية الذرية وتنشئتها على أخلاق الإسلام الحنيف، ووضع أحكام تفصيلية لتحريم الزنا والخوض في الأعراض والقذف.
خامسًا : وضع الله تعالى أحكام صارمة لحفظ العقل بكامل وعيه، حيث حرم جميع المسكرات، بما في ذلك الخمور وغيرها، التي تؤدي إلى إضاعة العقل.
مقاصد التشريع عن الحاجيات
تعد الحاجيات الأمور التي إذا لم يتمالعمل بها، فإنها ستتسبب في خلل وصعوبة في حياة الناس بأكملهم، وحتى لو لم يؤدي غيابها إلى التأثير على أي من الأهداف الخمسة المذكورة سابقًا.
والحاجيات تتمثل في جميع الرخص التي أحلها الله ، لتدفع المشقة عن الإنسان ، كرخصة جواز الإفطار حال المرض ، ورخصة عدم الصلاة في جماعة أو الصلاة في المسجد ان وجد ما يحول دون ذلك ، ورخصة الاستمتاع بالطعام الحلال ، ومشروعية بعض المعاملات المالية ، ومشروعية الشراكات والإجارة وغيرها ، فان لم تشرع الشيعة الإسلامية تلك الرخص ، لوقع على الناس مشقة وصعوبة حياتية.
مقاصد التشريع عن التحسينات
التحسينات هي الأفعال التي تحسن أحوال وتصرفات الإنسان. فهي تعزز العادات الحسنة والأخلاق الرفيعة، وتشمل جميع التصرفات التي يروج لها العقل البشري.
وضعت الشريعة الإسلامية أحكاما تفصيلية كثيرة جدا تعزز مقاصد التحسينات، منها تشريع الطهارة وآداب الطعام والشراب والخلاء والزيارات والتحرر من العبودية واحترام كبار السن والمرأة وآداب معاملة الصغير والرحمة به وآداب الطريق ومنع وأد الفتيات وغيرها من التشريعات الإسلامية العديدة التي تحسن مكارم الأخلاق ومحامد الأفعال وحسن الخصال.
مقاصد الشريعة في عهد الصحابة
ظهرت بعض المقاصد في عصر الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وكانت تلك المقاصد تهدف إلى إيجاد حلول لمسائل عالقة وطارئة، من بينها:
- تم جمع القرآن الكريم في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وذلك لحفظ القرآن الكريم في كتاب واحد لمنع التحريف، خاصة بعد استشهاد معظم حفظة القرآن في الغزوات.
- قتال مانعي الزكاة في عهد أبي بكر الصديق ، وقد قال أبي بكر الصديق في ذلك (والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقاتلتهم على منعها). وقد كان المقصد المراد من تصرف أبي بكر في ذلك هو الحفاظ على الدين وقواعده الأساسية التي بدونها تنهار الدولة الإسلامية.
- في عهد سيدنا علي كرم الله وجهه، قام بتضمين الصناع في مقصد للحفاظ على المال.
مقاصد الشريعة في عصر نشأة المذاهب الإسلامية
قام فقهاء الأئمة بإنتاج عدد من المؤلفات في فقه علم المقاصد، حيث يمكن ذكر كتاب “مقاصد الصلاة” للحكيم الترمذي، وكتاب “المستشفى وشفاء العليل” للإمام أبي حامد الغزالي، وكتاب “المحصول” للرازي، وكتاب “محاسن الشريعة” لأبي بكر القفال الكبير.
قبل عصر المذاهب، كان علم المقاصد ثابتًا بمصطلحات أساسية مثل الحكمة، والعلة، والقياس، وأسارا الشريعة، ومراد الشارع، وسد الذرائع المعنى، والمصلحة، والمغزى، وكل ما يتعلق بعلم المقاصد في الشريعة الإسلامية.
وفي نهاية المطاف، جاء أعظم الفقهاء المهتمين بعلم المقاصد مع مؤلفات جامعة وأبرزهم العز بن عبد السلام وكتابه الفوائد في اختصار المقاصد وكتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام، وكذلك الشاطبي الذي اهتم بعلم المقاصد وأشهر كتاب له هو الموافقات في أصول الشريعة.
مقاصد الشريعة في العصر الحديث
تعددت المؤلفات في علم المقاصد عبر التاريخ، ومن بين أشهر هذه المؤلفات في العصر الحديث كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية الذي ألفه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي، والذي توفي عام 1393 هـ.
خلاصة تعريف علم المقاصد
وفي نهاية الأمر نستخلص أنه رغم اختلاف تعريف علم المقاصد بين الفقهاء ، والمجتهدين ، إلا أن جميع التعريفات تصب في اتجاه واحد ، وهو أن علم المقاصد يهدف إلى دراسة الأحكام الشرعية وفهم مقصد الشارع منها ، وتحقيق أهدافها من تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، وحفظ الضروريات الخمسة السابق ذكرها.