تعريف العصبية القبلية لغة واصطلاحا
مصطلح العصبية القبلية هو مصطلح عربي قديم يشير إلى النزعة القبلية، والعنصرية القبلية، أو النزعة العشائرية، وقد تم تعريفه في اللغة والاصطلاح بالشكل التالي:
- تعريف العنصرية لغةً: يقول ابن منظور أن العصبية والتعصب يحملان المعنى ذاته، والعصبة تشير إلى الأقارب من جهة الأب، حيث يتعصب لهم ويعصبونه، أي يشتد بهم ويحيطون به، لذا العصبية أو التعصب هو المدافعة والمحاماة والنصرة لشيء ما.
- تعريف العنصرية في الاصطلاح: هذا المصطلح يشير إلى الولاء المتطرف تجاه القبيلة، العائلة، أو العشيرة، والعمل على دعمها سواء كانت مظلومة أو ظالمة، وذلك بإظهار التشدد والعداء تجاه القبائل الأخرى، والسبب الوحيد لذلك هو عدم انتمائهم للقبيلة. فالرجل يدعو قومه وأهله لينصروه بغض النظر عن كونه ظالما أم مظلوما، وهذا طبيعي للإنسان أن يميل إلى أهله وأقاربه، ولكن إذا لم يترافق ذلك مع العدل، فسيكون له تأثيرات سلبية خطيرة، حيث يسهم في التعرض للظلم والاعتداء على الضعفاء، وكان ذلك منتشرا في العصر الجاهلي.
العصبية القبلية في العصر الجاهلي
عند البحث عن التعصب القبلي، يمكن استخدام التعصب القبلي في العصر الجاهلي وما قبل ظهور الإسلام كأفضل مثال. فقد كان المجتمع الجاهلي أحد الأقوام الذين عرفوا على مر التاريخ بالتعصب لأهلهم وعشائرهم، وكانت طبيعة الحياة آنذاك هي السبب الرئيسي في ذلك، حيث كان العرب يعيشون في قبائل متفرقة تتنقل بين الحضر والبادية.
كانت الأعراف والتقاليد والعادات القانون لقبائل العرب، وكانت تختلف بين القبائل، ومن ذلك الزمن وصولا للتعصب الشديد، حيث كانت تلك العادات والتقاليد تظهر في الشعر والنثر الجاهلي والوصايا والخطب والسجع، وكان الرجل يتعصب لأهله وقبيلته، وتمتد العصبية للقبائل التي تتشارك في الأصل أو الزواج أو النسب.
أسباب التعصب القبلي
تعد العصبية القبلية واحدة من أخطر المشكلات التي يواجهها المجتمع، ولذلك يجب أن نفهم أسبابها وندركها لكي نتمكن من مكافحتها والتخلص منها. إن معرفة أسبابها يساعدنا في محاربتها والتخلص منها، خاصة إذا كانت العصبية القبلية تتعارض مع الدين والقيم الأخلاقية، فتصبح سببا في نشر الفتنة بين الناس. ومن بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى العصبية القبلية هي التالية
- يؤدي ضعف الوازع الديني والابتعاد عن الدين إلى انحراف الناس عن الانتماء والإيمان بأمور أخرى غير الدين، مما يتسبب في المفاضلة بين الناس على أساس العرق والنسب.
- يحدث صراع بين أبناء القبائل على المناصب، ويتم النظر إلى الوظائف والأعمال على أساس القبلية الشخصية دون النظر للكفاءة أو وضع المهارة بعين الاعتبار.
- ينتشر التخلف والجهل والتقليد الأعمى بين أفراد المجتمعات، ويفتقر الوعي إلى مدى ما تحمله العصبية القبلية من مخاطر جسيمة على الأفرراد والمجتمعات.
- تعد تربية الآباء لأبنائهم بطريقة غير صحيحة أو سليمة، وزرع التعصب القبلي في عقولهم ونفوسهم بالأقوال والأفعال، من التربية الخاطئة.
- يتمثل عدم الانفتاح في إغلاق المجتمع القبلي على نفسه.
- يتميز غياب القدوة الحسنة في الأسر والقبائل، ووجود أفراد يحرضون على التعصب.
الآثار المترتبة على التعصب القبلي
تعد العصبية القبلية من التراث والرواسب التي تركتها الجاهلية، وتصنف كمسألة تتطلب الانتباه حيث لا تزال بعض المجتمعات وسكانها يعتمدون عليها دون وعي أو تدريك للخطورة التي تشكلها على المجتمع. ويجب أن يتم الانتباه إليها ومنع انتشارها في المجتمعات، خاصة مع وجود العديد من الأشخاص الذين يعتمدون عليها في تربية أطفالهم بدون أن يشعروا بذلك، مما يؤدي إلى تأثير توجهات أهلهم القبلية على تطور الطفل وتشديدها أكثر. ومن بين الآثار السلبية التي يمكن أن تصيب المجتمع نتيجة انتشار العصبية القبلية
- تؤدي الخلافات والصراعات إلى التناحر والانقسام بين أفراد المجتمع، وقد يصل الأمر إلى سفك الدماء واندلاع الحروب وتفتيت الكلمة والقلوب.
- يؤدي نبذ الأخلاق وتشويه الفكر المجتمعي إلى تناقض تام مع العصبية القبلية.
- يؤدي تفكك المجتمع وضعف الروابط بين أفراده إلى تغذية سلطة القبائل التي تعيش فيه، وتفرض الكبيرة منها نفوذها على الصغيرة دون سبب أو مبرر أو حق، مما يؤدي إلى خلق فجوات بين طبقات المجتمع ونشوء الكراهية والشعور بالدونية بين أفراده.
- تحث على الانتقام بين العشائر والقبائل، حيث يقود أفراد العشيرة أو القبيلة جرائم تستند إلى الانتقام لأي جرح قد يصيب أحد أفراد العشيرة، وهذا يؤدي إلى حدوث مشكلات ومصائب تصعب حلها فيما بعد.
- يتسبب انتشارها وتفشيها في انتشار الفتن والنزاعات بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى حدوث العديد من المشاكل والخلافات التي يستجيب لها الأشخاص ذوو العقول والقلوب الضعيفة.
كيف عالج الاسلام التعصب القبلي
العصبية القبلية هي من الأمور والسلوكيات المذمومة التي نهى عنها الدين الإسلامي، ونبذها الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث نهى أصحابه عن فعلها وإظهارها. فالعصبية القبلية تؤدي في الكثير من الأحيان إلى نصرة الباطل على الحق، مما يؤدي إلى الظلم على الضعفاء بيد الأقوياء.
عندما أنزل الله رسالته على عبده الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، قضى على جميع أشكال العصبية القبلية بشكل قاطع، ولم يسمح سوى بالعصبية المرتبطة بالدين الإسلامي والرابطة الدينية، وأن التفوق في العبادة لا يكون إلا بالتقوى، دون النظر إلى العرق، النسب، الجنس أو القبيلة.
وفي ذلك ورد قول الله تعالى (نما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ۚ واتقوا الله لعلكم ترحمون)، “الحجرات: 5″، كما قال سبحانه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثىٰ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير) “الحجرات: 15″، وفي هذه الآيات الكريمة توجد دليل واضح على أن الدين الإسلامي لم يدعو إلى التعصب غير الديني وأنه يشجع على الأخوة ويحارب التمييز القبلي وينبذه.
حديث شريف عن التعصب القبلي
السنة النبوية المطهرة هي ثاني مصادر التشريع الإسلامي التي جاءت لتتمم وتوضح ما جاء به القرآن الكريم من أوامر وأحكام وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن العصبية القبيلة التي كانت متبعها بين قبائل قريش وغيرهم حيث قال صلوات الله عليه وسلامه (مَن قُتِلَ تَحْتَ رايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ).
وفي حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (قد أذهب الله عنكم ُعبِّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب)، وقوله كذلك (من قُتِل تحت راية ُعمِّيَّةٍ يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية)، حيث آخى النبي الكرين بين المهاجرين والأنصار بما لأول مرة يحدث لدى العرب، فتبدلت العصبية القبلية بالحب والإيثار.