تعريف الاعجاز العلمي لغة واصطلاحا
عند دراسة الضوابط التي وضعها العلماء والمتخصصون فيما يرتبط بمسألة الإعجاز العلمي ، يجب التنويه إلى أن الإعجاز العلمي ينقسم إلى قسمين ، إعجاز العلم في القرآن ، وإعجاز العلم في السنة ، ومن الجدير بالذكر أن أغلب الضوابط المشتركة بين القسمين متطابقة إلى حد كبير .
مفهوم الإعجاز العلمي كلغة
الإعجاز العلمي”: هو فكرة مركبة من كلمتين، لذلك كان من الضروري عند تعريفه تعريف أجزائه وتوضيح المقصود الكلي منه. والإعجاز لغة من “عجز” وهو يدل على الضعف، فمن عجز عن شيء فهو ضعيف، ويقولون إن العجز هو النقيض من الحزم لأنه يضعف الرأي، ويقال “عجز يعجز عن الأمر” عندما يفشل فيه، والمعجزة هي معجزة الأنبياء عليهم السلام. ويلاحظ أن “الإعجاز” و “المعجزة” لم ترد في معاجم اللغة القديمة مثل “العين” و “مقاييس اللغة”، مما يدل على أنهما مصطلحان متأخران، إلا أنهما يشتقان من مادة “عجز” الدالة على الضعف .
مفهوم الإعجاز العلمي اصطلاحاً
الإعجاز في المفهوم هو ما يعرف بالمعجزة عند بعض العلماء، وهو أمر غير مألوف يترافق مع الادعاء بالنبوة والتطابق، وعجز الآخرين عن تقديم مثيل له. وبالنسبة لإعجاز القرآن، فإنه يشير إلى عجز الناس عن تقديم سورة مماثلة له. وفي اللغة، يقول ابن فارس أن العين واللام والميم هي جذر واحد يشير إلى خاصية مميزة في الشيء، مثل العلامة المعروفة. العلم هو عكس الجهل، وشخص ماهر وعالم هو من يمتلك معرفة واسعة. وعندما يتم توصيف شخص بأنه علامة، فإن ذلك يعني أنه عالم جدا. وفي العلمية، الياء تستخدم للدلالة على النسبة. والعلم في المفهوم العام هو مصطلح يحمل عدة تعاريف، حيث يعرفه بعض الفلاسفة غير الماديين بأنه وجود مجرد، ويعرفه آخرون بأنه حالة إضافية بين العالم والمعرفة، ويعرفه آخرون بأنه صورة منطبعة في العقل. أما أصحاب الفلسفة المادية، فيعرفونه بأنه مجموعة من القضايا الحقيقية التي يمكن إثباتها عن طريق التجربة والحس. وبوضوح، ينقسم العلم وفقا لاعتبارات محددة إلى عدة فروع، مثل التقسيم بين الحسي والنظري، والعلم الذي نقصده هنا هو العلم الحسي الذي يعتمد على التجربة .
أهمية الضوابط في الإعجاز العلمي
عملية تقنين المواضيع العلمية ذات أهمية بالغة ودقيقة، حيث تتضمن صياغة الإطار العام للموضوع والنتائج المتوخاة المبنية عليه. فالضوابط تحدد المسار الذي يجب اتباعه في الموضوع والحدود التي يجب ألا يتجاوزها البحث، لضمان سلامة النتائج. تقنين مسألة الإعجاز العلمي ذات أهمية كبيرة، حيث تنبثق الحاجة إلى أسلوب جديد للتبليغ ونشر ثقافة التوحيد يتوافق مع التطور العلمي والتكنولوجي في هذا العصر. وبسبب إقناع العلماء والباحثين بفعالية الإعجاز العلمي كوسيلة للإقناع، ازداد اهتمامهم بهذا المجال مما أدى إلى حالة من العشوائية في التعامل معه. ولذا، كانت هناك حاجة لوضع قواعد وأسس لتنظيم عملية الإعجاز العلمي في القرآن والتخلص من العشوائية وعدم التنظيم .
مع كثرة المهتمين بهذا الشأن وتسابق المختصين وغيرهم بالخوض في الأبحاث المتعلقة بالإعجاز العلمي ، نتج عن ذلك الوقوع في الكثير من الأخطاء ، وذلك بسبب عدم وضوح الإطار الذي يحدّد عملية البحث في الإعجاز العلمي ، هذا الإطار تمثله الضوابط التي يجب أن تراعى عند التعامل مع مسألة الإعجاز العلمي
إذا ما سلّمنا باعتبار التفسير العلمي الذي يتشابك كثيراً مع الإعجاز العلمي كمنهج من مناهج التفسير المعتمدة في فهم النصوص القرآنية ، فهذا بحد ذاته يمثل أهم الأسباب التي تستدعي عملية تقنين الإعجاز العلمي لكونه يتناول النصوص المقدّسة للقرآن الكريم ، فعدم التقنين يمثل خطورة كبيرة لما يعنيه من فتح المجال على مصراعيه أمام الجميع للخوض في كلام الله .
وضع القواعد والأسس والضوابط العلمية لعملية التفسير العلمي يزيل العديد من الاشتباهات والتباسات التي واجهها وسقط فيها المخالفون للإعجاز العلمي. فكثيرا من الاشتباهات التي تم طرحها من قبل المخالفين كانت نتيجة للبحث العشوائي في مجال الإعجاز العلمي، وكثير من المؤيدين ارتكبوا أخطاء فادحة بسبب غياب الضوابط في ذلك. فوضع الضوابط يقلل بشكل كبير من الجدل الحاصل بين المؤيدين والمعارضين لمسألة الإعجاز العلمي. وفيما يلي بعض النقاط التي يمكن ذكرها لتوضيح أهمية تنظيم الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .
الإعجاز العلمي والتفسير العلمي
أوضحنا أن البحث في الإعجاز العلمي يترابط كثيرا مع منهج التفسير العلمي. لذلك، فإن القواعد والضوابط التي وضعها العلماء للتفسير العلمي تتناسب تماما مع قواعد الإعجاز العلمي في القرآن. وهذه الضوابط تنقسم إلى ضوابط عامة يجب أن تتواجد في جميع مناهج التفسير، وضوابط خاصة تكون ضرورية في بعض فروع التفسير. الضوابط العامة تشمل القواعد التي يجب مراعاتها والتحقق من توفرها في عملية التفسير بحسب جميع المناهج التفسيرية. سنستعرض في هذا السياق ما اعتمده العالم معرفة من ضوابط تفسيرية عامة في كتابه “التفسير والمفسرون.” أولا، التوفر على بعض العلوم المتعلقة باللغة العربية، مثل معرفة الألفاظ وعلم اللغة الذي يتعامل مع تشابه الألفاظ ومعرفة الأحكام المتعلقة بالتصريف والإعراب، وهو النحو. كما يجب معرفة ما يتعلق بجوهر التنزيل أيضا، وهو معرفة القراءات .
الضوابط العلمية للإعجاز العلمي
يجب الاعتماد على النظرية العلمية المثبتة والقاطعة، وعدم الاعتماد على الفرضيات والنظريات الاحتمالية. يجب أن تكون معاني الآية واضحة ولا ينبغي فرض التأويل وتحميل الآية معنى جبريا. يجب عدم تقييد الآية بحقيقة علمية واحدة، فليس من الممكن أن نحصر كلام الله بشكل مطلق. هناك العديد من الأمثلة على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. إذا وجدنا حقيقة علمية تدعم إحدى المعاني المحتملة للآية، يمكننا أن نفضل هذه المعنى المدعومة بالحقيقة العلمية، دون أن نعتبر الدلالات الأخرى للكلمة باطلة أو خاطئة .