في عام 1995، تم نشر بيانات رسمية تابعة لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشرات الفساد في الدول العربية، وأشير في تلك التقارير المجمعة بشكل واسع إلى أن هذا العام يتميز عن السنوات السابقة بأن أكثر من ثلثي دول العالم، بما في ذلك العديد من الاقتصادات المتقدمة، تعاني بشدة من الفساد وتفتقر بشكل كبير إلى الجهود التي يجب عليها أن تبذلها لمكافحة الفساد. ويستند تقرير الشفافية على كمية كبيرة من الفساد الإداري الذي تعرضت له الدول الخمس المذكورة في هذا التقرير.
ترتيب الدول العربية من حيث الفساد الإداري
سوريا
سوريا تعاني من دمار الحرب ولا يزال الاقتصاد السوري يعاني من الاهتزاز. وعلاوة على ذلك، يلعب الفساد الحكومي دورا كبيرا في تهديد الأمن الداخلي لسوريا، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل الفساد الذي يؤثر على الصناعة والزراعة المتبقية. لا تخلو سوريا من فساد المسؤولين في المؤسسات الحكومية وتجار الحرب الذين يتواطؤون معهم، أو الأفراد العاملين في إطار جماعات مافيوية خاصة بهم. هذا يؤدي إلى معاناة وتدهور المؤسسات الإدارية بسبب هؤلاء المتآمرين.
عند التحقيق في حالات الفساد، ستجد أنها تحدث في المجالات الشخصية والتجارية للمؤسسات، حيث يتحولون هذه المجالات إلى مكان مخيف للرشوة والاستيلاء على العمولات، نظرا لغياب الرقابة الشبه الكاملة. يتم استغلال هذه المخالفات لتسهيل وتمرير أعمال مضرة لتلك المؤسسات، ولكنها في الوقت نفسه تعود بالنفع على الأفراد الذين يرتكبون تلك المخالفات. هذا يؤثر بشكل كارثي على المواطنين والتجار والصناعيين الذين لديهم معاملات في تلك المجالات، حيث يتعرضون لأضرار كبيرة. وحجم الرشوة يختلف وفقا لأهمية الوثائق المطلوبة، سواء كانت تصاريح بناء عقارات أو بناء طبقات غير قانونية أو تمرير صفقات مشبوهة للأدوية الفاسدة.
وإذا كانت معاملة أحوال شخصية تتطلب عادة الدفع يتراوح من 200 إلى 1000 ليرة إضافية كرشوة لإنجاز هذه المهمة، فكيف بالصفقات التجارية التي تقدر قيمتها بالملايين؟ وكلما زاد سعر الرشوة انعكس ذلك ارتفاعا في سعر البضاعة على المستهلك الذي يتحمل هذه الزيادة، حتى يتمم عمليته، وعندما يشتمّ التجار المضاربون وفي مقدمتهم تجار الجملة رائحة تفيد بارتفاع جديد في سعر الدولار فإن أول ما يقومون به هو إخفاء البضائع واحتكارها في مخازنهم أملا في جني المزيد من الأرباح لاحقا.
على سبيل المثال، ارتفع سعر كيلو التمور من 600 إلى 900 ليرة خلال أقل من ثلاثة أسابيع مؤخرًا، مما يجعل الأمر صعبًا على المستهلكين ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تحمل هذه الزيادة في الأسعار ويمنعهم من شراء التمور.
الصومال
تقاس الدول على تحديد كم الفساد التي تتعرض له من خلال ارتفاع مؤشر الرشوة، واختلاس المال العام، بالإضافة إلى غسيل الأموال، مما يجعل الخارجين عن القانون يرتعون في الكسب غير المشروع، ولكي يحققوا تلك المكاسب الباهظة عليهم اللجوء إلى استغلال السلطة لتحقيق مصالح شخصية، واستخدام المحسوبية في الخدمة العامة والخاصة.
كما يقيس المؤشر بعض البيانات والآليات الموضوعة لمكافحة الفساد منها: آليات محاسبة المسؤولين الفاسدين، وقدرة الحكومة على تطبيق آليات تعزيز النزاهة، لدى الأفراد عديمي هذه النقطة، بالإضافة إلى وجود قوانين كافية حول الإفصاح المالي، ومنع تضارب المصالح، ومن ثم تجري عمليات حسابية على البيانات للوصول إلى المؤشر الذي ينقسم من صفر فاسد جداً إلى 100 نضيف جداً وهنا تتحقق العدالة.
ويعتمد المؤشر على عدد من المؤسسات والتي تزود منظمة الشفافية الدولية بالمعلومات منها “جامعة كولومبيا، ووحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونمست، وبيت الحرية، والمعلومات الدولية، بالإضافة إلى المعهد الدولي للتنمية الإدارية، مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية الأفريقية، والمنتدى الاقتصادي العالمي، مع مجموعة مرشانت الدولية، واستشارية المخاطر السياسية والاقتصادية، ومركز بحوث السوق الدولية فكل ما سبق ذكره هي جهات تحديد الفساد في الدولة بشكل دقيق.
الواقع الصومالي
صدر مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 عن منظمة الشفافية الدولية، وكانت النتائج مفاجئة للدول، حيث تصدرت دولة الصومال المؤشر بـ9 نقاط وأصبحت أكثر دولة فسادا في العالم. هذا المؤشر خطير جدا للصومال التي تعاني من العديد من المشكلات وتعتمد بشكل كبير على المعونات، مما يعني أنها تراجعت عن تصنيفها في عام 2016 حيث حصلت على 10 نقاط، وهذا يعني أن هناك تراجعا في قدرة الصومال على مكافحة الفساد.
بالإضافة إلى أن المجتمع الصومالي يعد واحدا من دول العالم الثالث، فإنه لا يخلو من هذه الظاهرة، ويحتل المراكز الأولى في مؤشر مدركات الفساد وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية للأعوام 2012 و 2013 و 2014 و 2015 و 2016 و 2017 على التوالي. وبالتالي، يتصدر الصومال قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، وهذا يعد دلالة واضحة على أن السياسة المتبعة داخل الصومال لا تخدم المصلحة العامة للدولة، بل تخدم أغراض شخصية.
اليمن
بدون الفساد الإداري لم تكن اليمن عرضة لتلك الأزمات التي تعيشها الآن ولم يصل الوضع لفساد الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وبذلك يصبح الوضع متفاقما حيث تربع ثالوث الفقر والجهل والتخلف على رقاب أبناء اليمن في جميع المحافظات الشمالية والجنوبية، وأودى الفساد الإداري باليمن إلى أن تصبح هذه الدولة مرتعا أو بؤرة لقوى الإرهاب المحلية والإقليمية والدولية .
ولما انفجرت ثورة الحراك وحروب صعدة الستة ولما انطلقت ثورة الشباب الشعبية السلمية ولما صارت اليمن تحت الوصاية الدولية مما جعلها رهن تحركات الدول وليس وفق إرادتها، لأن الفساد الإداري هو سبب كل أزمات اليمن مما جعل أهالي اليمن يطالبوا بوجود الحكم الرشيد لكي يخرجوا من تلك الأزمات وهي التخبط والتناقض في فهم وتحديد شكل وجوهر النظام السياسي المناسب لضمان حل قضايا اليمن، وعلى رأسها القضية الجنوبية مما يعزز قدرتهم من المفهوم العلمي للإدارة المركزية واللامركزية.
السودان
كان من المستحيل أن يتحدث أحد عن الفساد الذي يعيشه السودان ولكن لم يعد التطرق إلى موضوع الفساد محرماَ، فقد أصبحت وسائل الإعلام السودانية لديها القدرة والجرأة الحديث عن الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، إلا أنها لا يمكنها الوصول إلى وثائق يمكن أن تدين المتورطين في قضايا الفساد.
في الواقع، أصبح رائحة فساد السلطة في السودان واضحة ومعروفة للجميع، وأصبحت حديث الساعة. لم يعد هناك حاجة لإثبات الفساد من خلال أدلة، فقد أصبح واضحا ومكشوفا، حتى أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير أكد في وقت ما بوضوح على قيام الحكومة بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ولن تتسامح مع الفاسدين، ودعا المواطنين إلى تقديم المعلومات والوثائق التي يمكن أن تدين المفسدين.
وبطبيعة الحال فإن للفساد أوجه كثيرة في السودان وليس من السهل إلقاء القبض على مرتكبيه لأن المفسدين ينعمون بحماية السلطة لهما فجمعوا بين الفساد والسلطة، الأمر الذي جعل مدير المباحث الجنائية السابق، اللواء عبد الغني خلف الله الربيع، يقول في حوار له إن عباءة الإجراءات القانونية لا تتسع لأوجه الفساد الهائلة.
بالإضافة إلى كشف الربيع عن حيل وممارسات محنكة لشخصيات مؤثرة في السلطة، قادرة على ابتكار أساليب الاحتيال في المال العام، وبدون ترك أي أدلة في أيدي أحد، وأضاف أن أي موظف حكومي يبقى في منصب لفترة طويلة، سيصبح جزءا من مشاكل هذا المؤسسة، وبينها طلب إنشاء جهاز غير حكومي يتم تحاسبه من قبل قانونيين واقتصاديين ليس لديهم مصلحة ذاتية مع هذا النهج.
وقد وثق الربيع عدة تقارير حول موظفي الدولة السودانية من وزراء وولاة ومحافظين ومستشارين الذين رفضوا الاعتراف بذممهم المالية لمدة عشرين عاما، مما أدى إلى زيادة الخلافات القاتلة في السودان ويشير هذا إلى ادعاءه بأنه منذ صدور قانون الثراء الحرام في عام 1989 وتشكيل الهيئة التنفيذية للقانون في نفس العام، لم يتقدم أي مسؤول لتبرئة ذمته المالية.
بالإضافة إلى اكتشاف تهرب المسؤولين من ملء الاستمارة التي أعدتها الهيئة لتبرئة ذممهم المالية، لم يكن لديهم أي حرج في تجاهل أداء واجباتهم الأساسية تجاه السودان، وبالتالي جعلوا الهيئة بلا مضمون وجسدًا بلا روح.