تأملات في سورة يس
سورة يس هي إحدى سور القرآن الكريم المكية، وتأتي في المرتبة السادسة والثلاثين في المصحف الشريف. وتم تسمية السورة بهذا الاسم نسبة للفظة “يس” التي تفتتحها. تحتوي السورة على ثمانية وثمانين آية، وتتضمن مواضيع متنوعة مثل البراهين والأدلة على توحيد الله والإيمان بالبعث والنشور. وعادة ما يشار إلى الربع الأخير من السورة عن طريق آية “فنبذناه بالعراء وهو سقيم”، وهذه الآية هي من سورة الصافات التي تلي سورة ي.
تأملات من سورة يس
من يستقر في سورة يس يجد فيها الكثير من الأمور التي ربما لا ينتبه إليها الكثيرون. فإن سورة يس مرتبطة بالموت، وبعض الناس يقرأونها يوم الجمعة. في الغالب، يقرأ أهل المتوفى سورة يس يوم الوفاة عسى أن ينتفع الميت بها، والأقارب المخلصون يستمرون في قراءتها لعدة أيام بعد وفاة شخص عزيز عليهم. ومن الأمور المهمة في سورة يس قول الله تعالى: `لينذر من كان حيا`، ولم يقل: `لينفع من كان ميتا`. وهذا يشير إلى الفائدة التي يغفل عنها المؤمن الحي عند قراءة القرآن، وخاصة سورة ي.
وتروي أيضا قصة القرية التي واجهت المرسلين، وتم توضيحها في سورة يس، عن رجل من القرية اقتنع بدعوة المرسلين وأصبح حماسيا لقومه (من أطراف المدينة). جاء يحاور قومه ويدعوهم إلى ما يعتقد أنه طريق الفوز والسعادة. جاء ليحمل لهم الخير ويساعدهم في نضج أفكارهم. جاء بخطاب يستهدف العواطف ليستدركها ويخاطب العقل ليقنعه. وكانت مكافأته من قومه أنهم قتلوه، ولكن ليس بقتل عادي، بل بطريقة حقيرة ورديئة لا يمارسها إلا حيوان بري غير مألوف بالتهذيب والتربية. وأشير إلى أنه بحسب بعض التفاسير، قام قومه بالتعدي عليه وركله ورفسه حتى خرجت روحه من جسده.
وبعد ذلك جاءت في السورة أيضا معلومة أن هذا الرجل الذي عاقبه قومه قيل له: ادخل الجنة. فقال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين. وهذا يشير إلى رحمته الواسعة والتسامح الذي لم يحمل أي كراهية تجاه قاتليه، بل كانت أول رغبة له بمجرد أن بشر بالجنة، لو كان هؤلاء الناس القاسية الذين ردوا الجميل بالقتل يعلمون بالعقاب المؤكد، ولو كانوا يعلمون بالخير الذي أعده الله للصالحين (يا ليت قومي يعلمون). وهذا يدل على حرصه على رفاهية قومه رغم الظلم الذي لقيه منهم، والتمسك بالرغبة في إصلاحهم رغم عنادهم ودعوتهم للخير، وتوقف مطالبته بالقصاص.
ايات من قلب سورة يس
عند تناول الآيات من الآية 37 إلى الاية 40 نرى أن تلك الآيات تتعرض لايات الله في الليل والنهار والشمس والقمر، بالإضافة إلى الايات من 77 إلى 80 والتي تدحض أقوال منكري البعث بايات الله في هذا الكون البديع، ففي الاية الأولى من الأربعة ” واية لهـم الليل نـسلخ منه النهـار فٌإذا هم مظلمون، والشمس تـجرى لمـستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم، والقمـر قدرنـاه منـازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهـار وكل في فلك يسبحـون ” صدق الله العظيم.
تصف هذه الآية عملية تعاقب الليل والنهار، حيث يكون في أي لحظة من الزمن نصف الأرض معرضا لأشعة الشمس ونورها، في حين يكون النصف الآخر بعيدا عن الشمس والنجوم ومغمورا في الظلام الذي يشمل الكون بأكمله. تلمح هذه الآية إلى حقيقة علمية تم اكتشافها مؤخرا في مجال الفضاء، وتظهر كعجز قرآني. وهذه الحقيقة هي أن الظلام هو الحالة الأصلية، بينما النهار هو الحالة الناشئة عنه. فالنهار هو ما ينسلخ من الأرض، فيصبح العالم مغمورا في ظلام الكون المنير الذي ضمه ضوء الشمس تدريجيا.
توضح هذه الآية أيضا قاعدة علمية لحساب اليوم الكامل وتكشف عن حكمة الخالق. وهي الفرق الثابت بين كل فترتي انسلاخ للنهار أو فترتين للزوال أو فترتين للغروب. نلاحظ أن هذا الفرق ثابت ولا يتغير بغض النظر عن تغير الفصول والشهور والسنوات. ويحدث هذا الانسلاخ إذا كانت الأرض تدور حول نفسها بثبات تام أمام الشمس، بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار. وبفضل الترتيب بين الليل والنهار، استطاع البشر تنظيم أوقاتهم وحياتهم، وذلك بتدبر آيات الله تبارك وتعالى.
إعجاز حركة الشمس
توضح الآية `والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم`، إعجاز حركة الشمس وكيف جعلها الله تتحرك بشكل دائم حتى تستقر في النهاية وفقا لأوامر خالقها، ففي القرن الماضي، اعتقد العلماء أن الشمس تعتبر مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها وموقعها، وأن كل شيء يدور حولها، واعتقدوا أن المادة ثابتة وغير قابلة للنفاذ. ولكن هذه الآية توضح الإعجاز منذ 14 قرنا بأن كل شيء في الكون يحدث عليه تأثير ويتأثر به، بما في ذلك الشمس والمادة والزمان.
يجب على كل مسلم أن يسعى للعودة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الأعمال الصالحة والدعاء والاستغفار، والحرص على قراءة القرآن الكريم، وخاصة سورة البقرة وآية الكرسي، نظرا للفضل العظيم الذي لهما. ويجب الحرص أيضا على قول دعاء سيد الاستغفار: `اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي. فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت`. من يقول هذا الدعاء في النهار وهو يؤمن به، ثم يموت في ذلك اليوم قبل المساء، فإنه من أهل الجنة. ومن يقوله في الليل وهو يؤمن به، ثم يموت قبل الصباح، فإنه من أهل الجنة. (رواه البخاري).