تأثير مانديلا والذاكرة الكاذبة
في عام ٢٠١٠م ، قامت واحدة من أشهر البلوجرز الأمريكيين بفتح باب للنقاش حول وفاة الرئيس الأفريقي الشهير نيلسون مانديلا مع مجموعة واسعة من أصدقائها. لكن الجميع فوجئ بأن العديد منهم اعتقدوا أن مانديلا توفي في عام ٢٠٠٣م، في حين بقي الرجل على قيد الحياة ومستمرا في العمل حتى عام ٢٠١٣م، حيث أعلنت وفاته رسميا في ديسمبر.
تلك الظاهرة التي حدثت في هذا الوقت ، دفعت الكثيرون في البحث بشأن الخبر المزيف للثائر والرئيس الأفريقي مانديلا ، إلا أن نتائج البحث قد أثبتت بما لا يدعً مجالًا للشك ، أن مانديلا حي بالفعل ، وأن كل من ظنوه ميتًا ، فالأمر قد يذهب لتفسيرات أخرى فما هو تأثير مانديلا والذاكرة الكاذبة.
كلمة السر مانديلا
بعد الاجتماع السابق بين فيونا وزملائها عبر الإنترنت، وبسبب البحث الكبير الذي حدث، بدأ العلماء والخبراء في الظواهر الماورائية أو الغامضة في البحث عن حقيقة هذا الأمر، وطرح وجهات النظر حول اعتقاد الكثيرون بشيء غير موجود، وما ساعد على تفجير هذا الأمر هو قيام فيونا بإقامة مجموعة نقاشية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأطلقت عليها اسم “تأثير مانديلا”، حيث يجتمع الناس ويدونون فيها تجاربهم المشابهة لما حدث بين فيونا وأصدقائها.
تجارب جماعية لتأثير مانديلا
بدأت قصص المشاركين في الطرح واحدًا تلو الآخر ، وبدأ المشاركون في تذكير بعضهم البعض بقصص وذكريات أخرى مماثلة، بالطبع تجربة مثل هذه انتشرت كالنار في الهشيم ، وتعددت المجموعات النقاشية لتأثير مانديلا والتجارب التي لاحظها المشاركون ، فانهالت مقاطع الفيديو والمنشورات المكتوبة بشأن تلك الظاهرة أو هذا التأثير ، وكانت تلك أبرز الأمثلة لتأثير مانديلا:
تجربة سلسلة أفلام حرب النجوم
كانت أول قصة في سلسلة أفلام حرب النجوم، وكان أحد أبطالها روبوتا معدنيا. بدأت التفاصيل تظهر حول هذا الفيلم عندما قام أحد المشاركين بتحديد لون الطلاء للروبوت بالكامل وأشار إلى أنه ذهبي. ثم توالت التعليقات بأن الروبوت كان فعلا ذهبيا، ولكن قلة قليلة فضحت الحقيقة بأن ساقي الروبوت كانت فضية وليست ذهبية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ البعض في شرح الأحداث وتذكرها، وتضامن معهم الكثيرون في هذا الصدد. ولكنهم اكتشفوا أن هذه الأحداث لم تحدث في الفيلم بأي شكل من الأشكال
تجربة دببة برنستين Berenstain Bears
على منصة Reditt المشابهة لمنصة Facebook ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل عام، قام أحد المشاركين بمشاركة تجربته مع فيلم دببة برنستين Berenstain Bears، وهو أحد الأفلام الشهيرة التي تم إصدارها للأطفال. أشار المشارك إلى أن تهجئة اسم المسلسل كانت Bernstein بدلا من Bernstain؛ أي بحرف “a” في نهاية الكلمة بدلا من “e.” أثار هذا الأمر جدلا بين المشاركين مرة أخرى، حيث أكدوا صحة المعلومة وسألوا عن مصدر الحرف
تجربة ذيل بيكاتشو
دخل بطل الرسوم المتحركة الشهير بيكاتشو، والذي تم إصدار العديد من الألعاب الخاصة به، في دائرة الجدل الماندلاية. فهو بطل أحد أشهر الرسوم المتحركة في التسعينيات، ولا يزال جزءا من ذاكرة جيل كامل حتى الآن. ومع ذلك، فإن العديد من الأشخاص يعتقدون أن ذيل بيكاتشو كان به جزءا أسودا، ولكن كل الصور تؤكد أن هذه المعلومة غير صحيحة، فالذيل كان ملونا بالكامل باللون الأصفر فقط.
تجربة نظارة رجل المونوبولي
تجربة أخرى من تجارب مانديلا ، هي نظارة رجل المونوبولي الموجودة في لعبة عربية ، كانت تدعى بنك السعادة ، فالكثير من الناس يتذكرون أن الشعار الأشهر لهذه اللعبة ، كان رجلًا ثريًا بقبعة على رأسه ويرتدي حلة كاملة ، مع غطاء على أحد عينيه ، إلا أن حالة من العصف الذهني والاستدعاء للمشاركين في التحدث عن تلك التجربة ، كشفت أن هذا الرجل أو الشعار لم يكن يرتدي أية نظارات أو أغطية على عينيه من الأساس.
تُعدُّ هذه التجارب الجماعية الأكثر شهرةً لتأثير مانديلا، ويُذكر الكثيرون تجاربًا فرديةً أخرى كثيرة، إضافةً إلى بعض الأمور المتعلقة بشعارات السيارات وبعض العبارات وغيرها.
تفسيرات مختلفة لتأثير مانديلا
مع انتشار المدونات والمنشورات والمجموعات النقاشية حول تأثير مانديلا وتجاربه المتعددة بين الناس، بدأ العديد من المشاركين في البحث عن أسباب هذه الظاهرة، مثل لماذا يعتقد الناس بعض الأفكار التي لم تحدث أبدًا، أو لماذا تتشابه أفكار الكثيرين حول بعض الأمور بينما لا يتشابهون في غيرها
تم تفسير هذه الظاهرة بأنها نتيجة لنظرية المؤامرة والتحكم في عقول الناس، حيث يعتقد البعض أن هناك أشخاصا كبارا يسيطرون على عقول الشعوب، وهناك آخرون يرون أن هناك تداخلا للأكوان الموازية وأن سبب انتقالنا من مكان إلى آخر يعود إلى ذلك، وتبقى هذه الذكريات محفوظة في أذهاننا من الكون السابق أو الأبعاد الموازية السابقة.
بالطبع هذه التفسيرات لا يمكن تصديقها بسهولة ، هذا بالإضافة إلى أن الأمر قد فتح بابًا لدحض مثل هذه الأفكار ، فالموضوع بحاجة إلى أدلة كثيرة ، ما جعل البعض يذهب في رؤيته لتفسير آخر ، وهو أن مثل هذه الظاهرة سببها أحد المختبرات الفيزيائية ، والمعروف باسم CERN Hadron collider أي مصادم الهدرونات ، المهتمة بالعناصر الكيميائية والذرية. وقال أصحاب تلك النظرية ، أن حياتنا الحالية ماهي سوى نتيجة حتمية ، لمثل تلك الاختبارات التي تجرى في المعامل ، على التجارب الفيزيائية والكيميائية.
ذهب بعض الناس لتفسير تأثير مانيلا على أنه مؤامرة من الدول الكبرى أو القوى العالمية الخفية. وفي خطاب جورج بوش عام 2007، ادعى أن مانديلا قد توفي، ولكنه لم يكن متوفيا حقا. وزعم بوش أن مانديلا توفي بسبب صدام حسين الذي قتل كل مانديلا في العالم.
تفسير العلم لتأثير مانديلا
كل ما تم طرحه من تفاسير، ليست سوى اجتهادات قدمها بعض المتخصصين في مجالاتهم، وآخرون الذين مروا بها، وقد قدموا آراءهم بشكل أوسع وحاولوا تفسير الأمر بطريقة يمكن للعقل استيعابها، وخاصة مع انتشار تجارب تأثير مانديلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك، جاء علماء السلوك الإنساني وعلم النفس بتفسير مفاجئ لتلك الظاهرة.
بدأ المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1959 في استرجاع الأبحاث العلمية المتعلقة بهذا الموضوع، وتم نقلها وشرحها وتوضيحها في وسائل التواصل الاجتماعي فيما بعد.
ثلاثة علماء نفس اهتموا خلال هذا الوقت بتوفير تفسيرات لتلك الظاهرة، وذلك من خلال نموذج ديس وروديجر وماكدرموت، الذين درسوا بعناية الذاكرة البشرية ونتج عن ذلك ما يعرف بالذاكرة الكاذبة.
الذاكرة الكاذبة لتأثير مانديلا
توجد ذاكرة تتشكل في العقل اللاواعي للإنسان، وتعرف باسم الذاكرة الكاذبة لأنها ليست ذاكرة أساسية، وتنشأ من العقل الواعي نفسه، وتتشكل يوميا بعد مشاهدة سريعة للأحداث المتتالية؛ على سبيل المثال، قدم العلماء لبعض المتطوعين تجربة تتعلق بالنوم، حيث عرضوا عليهم بعض الكلمات المرتبطة بالاسترخاء والوسادة والفراش، ولم تتضمن أي منها كلمة “نوم” بشكل واضح، ومع ذلك، عند استرجاع ذاكرة المتطوعين، ذكر أغلبهم كلمة “النوم” على الرغم من عدم تعرضهم لهذا الفعل من قبل. وهذا يعني أن الذاكرة قد تنتج بعض المعلومات غير الصحيحة، ولكنها تتشكل وفقا لعدة عوامل، مما يؤدي إلى إنتاج ذكريات زائفة يعتقد البعض أنهم قد قاموا بها فعلا، وتأثير مانديلا هو في الأساس ذاكرة تشاركية كاذبة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتخيل الذاكرة البشرية أشياء غير موجودة، وبالتالي، عندما تستدعى، فإنها تستعيد أشياء زائفة لم تحدث، مثل روبوت فيلم حرب النجوم أو ذيل بيكاتشو أو منظار مونوبولي. جميعها تجارب تشير إلى الأخطاء أثناء المشاهدة بسبب ربطها بأمور أخرى. على سبيل المثال، ذيل بيكاتشو لم يكن به جزء أسود من قبل، ولكن عين الإنسان وبصره يمكن أن يتوهما وجود نقطة سوداء في الذيل بسبب وجود نقطتين سوداوين في الأذنين. وبالتالي، تكون الذاكرة الكاذبة مسؤولة عن إيهام الإنسان برؤية أمور غير صحيحة.
المراجع
- The ‘Mandela effect’ and the science of false memories
- Collective False Memories: What’s Behind the ‘Mandela Effect’?
- 40 Mandela Effect Examples That Will Blow Your Mind
- The Mandela Effect
- The Mandela Effect: Why So Many Recall Events That Never Occurred
- The Mandela effect: Explaining the science behind false memories
- The Mandela Effect