علم النفسعلم وعلماء

تأثير الاب النرجسي على حياة الابناء

يعود نصف الأضرار التي تحدث في هذا العالم إلى البشر الذين يرغبون في الشعور بأهميتهم، فلا يهمهم إيذاء من حولهم، ولكن الأضرار التي يسببونها لا تهمهم أو أنهم لا يدركونها.

العائلة و الابناء
من المعروف أن تشكيل العائلات أمر طبيعي يجب السعي لتحقيقه، وكل عائلة هي تجربة اجتماعية صغيرة، تحتوي على مجموعة من القواعد غير المكتوبة الخاصة بها والأسرار والنمط السلوكي الدقيق. غالبا ما يأخذ الأطفال أمهاتهم وآباءهم كقدوة ويعتبرونهم قدوة يجب على الجميع أن يتبعوها. قد يكون الوالد نرجسيا، وبناء على ذلك يفترض الأبناء أن جميع الآباء مثله.

كثيرون اعتادو على التفكير أنه عندما يصبحون في سن العشرين أو الثلاثين فانه قد يكون لديهم مهنة ناجحة، و يكون لهم مكانهم الخاص و يحلمون بأن يكونوا في علاقة ملتزمة ومستقرة، و يذهبون لزيارة صالة الألعاب الرياضية للحصول على الجسم الذي يريدونه دائما، ويمتلكون الحياة الاجتماعية الخاصة بهم و أن حياتهم ستكون نابضة بالحياة.

ولكن مع تطلعات وأحلام المستقبل والواقع، تبدأ الثقة في النفس بالتلاشي تدريجيا، عند النظر إلى التنشئة الشخصية والتفكير في الوالد ذو الشخصية النرجسية، حيث يبدو كل شيء ساحرا والنجاح مضمونا، يظن الكثيرون في هذه الحالات أنهم بخير، ولكن في الواقع يعانون من الشك في أنفسهم وفقدان الثقة، وغالبا ما يكون ذلك بسبب عدم الحصول على ما يكفي من الأب.

مؤشرات الشخصية النرجسية
يتمحور الحياة حول الذات بشكل مفرط لدى بعض الأشخاص، ويعتقدون بصورة مبالغ فيها أنهم متفوقون ويستحقون الأفضل دومًا.

يستخدم البعض الآخرين لتحقيق مصالحهم الخاصة واستغلالهم في حال توفر فرصة لجمعهم والتظاهر بالاهتمام بهم، أو على الأقل ما كانوا يتوقعونه منهم.

يتميز الأشخاص الذين يمتلكون الأناقة أو الكاريزما بأنهم يرون أن الجميع يرغبون في أن يكونوا حولهم، ويستمتعون بلفت الأنظار والإعجاب من الآخرين، كما يحبون أن يكونوا في مركز الاهتمام

لا يوجد لدى أحد خيال مثلهم، حيث يجذبهم الشعور بالعظمة والنجاح الذي يتحقق من خلال الأوهام والطموحات الوهمية التي قد تكون غير واقعية، ويمكن أن يبالغوا في إنجازاتهم.

يمتنعون عن قبول الانتقادات ولا شيء يؤثر عليهم مثل الانتقادات، ويقطع الأغلبية منهم علاقاتهم مع من ينتقدونهم أو يحاولون إيذائهم، وتصل غضبهم إلى حد الجنون ويمكن أن يسببوا الأذى لأي شخص أمامهم.

متحفظون و غير متعاطفون فغالبا ما يجد النرجسيون صعوبات في التعاطف مع الاخرين، فهم يتجاهلون كيف يشعر الاخرون و يقللون من مايشعرونه، على الرغم من كونهم حساسون لما يشعرون هم به ولكن تجاه البعض الاخر فلا اي اعتبار، يتفاخر الاب النرجسي باولاده اكثر من اهتمامه بهم، و يهتم بما يعتقده الاخرو حوله اكثر من مايظنه اولاده به وهذه حقيقة محزنة.

مشكلة تصنيف الشخصية الرجسية
أحيانا قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان الشخص نرجسيا أم يتصرف بطريقة صحية تنبع من احترام الذات. وعلى الرغم من ذلك، فإن النرجسية لا تعني الثقة العالية بالنفس، بل هي حب للذات يتحول إلى التفكير الشديد في الذات. ويستمد هذا المصطلح من شخصية نارسيسوس الأسطورية في الأساطير اليونانية، الذي كان مولعا بنفسه حتى أدى في النهاية إلى هلاكه.

صفات النرجسية عموما موجودة في كل واحد منا بشكل كبير أو صغير، وأحيانا تظهر تلك الصفات في بعض الظروف، وهذا ما يعرف باضطرابات الشخصية النرجسية. وعموما، النرجسية ليست صفة سيئة وغالبا ما تكون موجودة في معظمنا، ولا يوجد ما يزعج في ذلك، وما يزعج هو اضطراب الشخصية النرجسية.

على الرغم من أنها ليست قاتلة في الواقع، إلا أن النرجسية يمكن أن تصبح مرضية عندما تظهر معايير اضطراب الشخصية، وتعرف الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM IV-TR)، اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) بأنه “نمط واسع من العظمة (في الخيال أو السلوك)، يحتاج إلى الإعجاب وعدم التعاطف، بدءا من مرحلة البلوغ المبكر وحتى الحاضر في مجموعة متنوعة من السياقات كما هو موضح فيما يلي

يسعى هذا الشخص دائمًا إلى إظهار إعجابه بالآخرين، ويشعر دائمًا بأنه مستحق لكل شيء، ويستغل الآخرين دون تعاطف
و طبيعتهم حسوده، ومتغطرسين و يوجد سمة أخرى نموذجية من النرجسيين هو تجاهل الحدود الشخصية، فالنرجسيون لا يعترفون دائما بالحاجة إلى الحدود التي تقترن بفشلهم في إدراك أن الآخرين لا يقتصرون على تلبية احتياجاتهم، فالنرجسي غالبا ما يعامل الآخرين وخاصة القريبون منه كما لو كانوا خلقوا لتلبية احتياجاته وتوقعاته فقط.

كيف يضر الاب النرجسي ابناءه
يؤدي تصرف الآباء النرجسيون إلى إيذاء أطفالهم غالبًا، فقد يتجاهلون الحدود ويتعاملون معهم بلا مودة، ويتجاهلون تلبية احتياجاتهم لأن احتياجاتهم الشخصية تأتي أولاً، وذلك لأن الصورة الخارجية مهمة جدًا بالنسبة للنرجسيين.

يمكن للآباء أن يطالبوا أطفالهم بالكمال، ولكن هذا يمكن أن يؤدي إلى ضغوط على الطفل، وقد يشعر الطفل الذي ينمو تحت والد نرجسي بالضغط عند تطوير مواهبه، وربما يشعر بالخجل أو الكاريزما، ويمكن أن يواجهوا صعوبة في تلبية رغبات والدهم، وفي حالة فشلهم لا يحصلون على أي جائزة.

تأثير الاب النرجسي على ابنته
غالبًا ما يصف بنات الآباء النرجسيين شعورهن عندما يحصلن على ما يحتاجنه من آبائهن بأن تعامل الأب معهن `غير مهذب`، إذ لم يحصلن على ما يكفي منه، ويضطرن إلى التنافس مع الأشقاء لقضاء بعض الوقت مع الأب.

يعلق الأب النرجسي على أطفاله الصغار بأنهم جميلون ومهذبون ورائعون للفخر فقط، ولكن عندما تكبر ابنته، يعلق على تصرفاتها ووزنها، وربما تحمل الفتاة هذه المخاوف حتى وهي في مرحلة البلوغ، حتى لو كانت ناجحة، وستظل تعاني من هذه المخاوف.

غالبًا ما يشعر النساء بالضعف والقلق عندما يتعرضون للانتقاد واللوم من شخص آخر، ومن المعتاد أن يحاولن تجنب التعامل بشخصية الدور النرجسي كطريقة طبيعية للحفاظ على العلاقات الآمنة والحماية الذاتية، ولكن في النهاية، يخسرون أيضًا، حيث يمثل ذلك مصدر قلق كبير.

تحتاج الابنة إلى الاهتمام والحب من والدها، ولكن الآباء النرجسيون غالبًا ما يجعلونها تشعر بأنهم يمنحونها الحب ، ومن الآباء الصحيحين الذين يمنحون بناتهم هذه الهدية لأنهم يرون أنها تستحق الحب.

تأثير الاب النرجسي على ابنه
نظرًا لأنه ابن لأب نرجسي، لا يشعر بالقدرة على التفوق، حيث تتميز شخصية والده بالتنافسية الشديدة حتى أنه يتنافس مع ابنه، وغالبًا ما يستسلم الآباء لهذا الشعور الغير صحي، ويعتقدون بأنهم لم يحظوا بتربية صالحة، وهذا يؤدي إلى إهمال الابن وعدم الاهتمام به بالشكل المناسب.

يجد الابن نفسه يعمل بجد للتغلب على أبيه في لعبته الخاصة فقط للحصول على اهتمامه، وبعض مظاهر الفخر الأبوي تجاهه وعلى الرغم من هذا بطريقة أو بأخرى لا يشعر الاب النرجسي بأن الابن ابلى حسنًا بما فيه الكفاية حتى عندما ينجح، فيظل الابن يشعر أنه فارغ و انه مازال في المرتبة الثانية.

تماما مثل الفتيات الابن بحاجة إلى أن يشعر بالحب من قبل ابيه، و يحتاج الأولاد أيضا من والدهم الاعتقاد بقدراتهم، حتى أنهم اذا فقدوا هذا الشعور قد يصبحون نرجسيون أنفسهم، وبهذه الطريقة يمكن الحصول على اهتمام الوالد لأن التقليد هو أعلى أشكال الإطراء للأب الرجسي، ومن ثم يتعلم من ابيه كيفية التعامل مع الناس واستخدامها.

كيف يمكن تجنب تأثير الاب النرجسي
يعتبر الأب النرجسي بطلًا وأسطورة في عقله، ويمكن تحويل التأثير السلبي لهذا النوع من الآباء إلى إيجابي باستخدام مجموعة من الخطوات

للدخول في عملية علاج جيد، يجب على الأبناء وضع وصف لأبيهم وكيف يؤثر عليهم سلبًا، على الرغم من أنهم يعتبرونهم أبًا، والخطوة الأولى لذلك هي التمييز بين سلوكياتهم وسلوكياته، حتى يتمكنوا من الاستمتاع بوجودهم دون الإضرار بمكانتهم، وهذه المهمة صعبة.

قد يكون سلوك الأب الغطرس والحاجة المستمرة للسيطرة مزعجًا، ولذلك ينبغي للأب أن يتم قبوله كما هو، فإذا تم وضعه في مكان في عقل ابنه، يمكن أن يصبح ببساطة أبًا محبوبًا، ويمكن تفسير سلوكه بأنه كأب لا يملك القدرة على إيذاء أولاده لأنه والدهم.

في حالة حدوث نوبات غضب، يجب عدم المواجهة والابتعاد، حيث يمكن أن يؤدي غضب الآباء النرجسيين إلى إلحاق أضرار جسدية بالغة بأبنائهم، ولا ينبغي للأبناء السماح لآبائهم بإيذائهم، ويجب الابتعاد عنهم عند الغضب.

على الابناء الحفاظ على توقعاتهم واقعية و معقولة و لا يتوقع أن تكون العلاقة، مع شخص نرجسي مبنية على التبادل أو المعاملة بالمثل، النرجسيين أنانية ولا يمكن أن يضع الابناء احتياجاتهم على قدم المساواة مع احتياجات النرجسي، كأشخاص بالغين يمكن ابقاء الصراعات مع الوالد على مسافة جيدة.

عندما يرغب الأطفال في شيء ما، عليهم إقناعهم بأنه سيكون لصالحهم، ولبعض الناس الذين يتمتعون بصفات نرجسية، يمكن التأثير عليهم عندما يريدون منهم القيام بشيء ما، لذلك يجب إقناعهم بأنه لمصلحتهم.

يجب توخي الحذر في ترك تحديد قيمة من حولنا للنرجسي، فهم يفتقرون إلى القدرة على التعاطف والتحقق من حقيقة الآخرين، وبالتالي ينبغي توخي الحذر في الثقة بالمعلومات الحساسة أو تقاسم الأمور الهامة معهم، لأنهم لن يعاملوها بالاحترام الذي تستحقه.

في بعض الأحيان، يكون الامتثال هو الطريقة الأسهل للتعامل مع أحد الوالدين النرجسيين، حيث لا يجوز للإنسان أن يحرم والده من حياة أبنائه. وبالتالي، فإن الامتثال لرغباتهم يتطلب جهدًا أقل ويفضل عادةً عدم المعارضة لمعظم رغباتهم، لأن الأمر لا يستحق المعركة، ولأن الابن أصبح بالغًا الآن ولم يعد يعيش تحت سقف والده.

 الابتعاد عن سلوكيات النرجسيون لأن الآخرين (بشكل سلبي) سيسمحون لهم بها، ففي بعض الأحيان قد يحتاج  الابناء إلى اعتماد موقف موثوق قوي وإقناع الاب النرجسي أن موقفه المهين غير مقبول، و أنهم لم يعودوا أطفالا، وأنهم ليسوا عرضة لرفضه أو الغضب، ويجب أن يتأهب الاباء عندها لموجة من الاحباط و التهميش لأن الناس النرجسيين يكرهون النقد.

يعد الشفقة على النرجسي حلاً جيدًا، ومن المؤكد أن الغرور والغطرسة لا يؤديان إلى التعاطف أو الرحمة، ولكن في النهاية، عند التفكير في ذلك، قد تأتي الشفقة نحو شخص بحاجة مستمرة إلى المجاملات والاهتمام والتحقق من مكانته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى