الموشحات الاندلسية نشأتها وتطورها
تعريف الموشحات الاندلسية
الموشح هو نوع من الكلام المنظم وفق وزن محدد، ويرجع اسمه إلى الوشاح الذي هو رداء ملفوف حول العنق ومزين بالزخارف والزينة، وكان في الماضي يزين بالجواهر. ويتميز الموشح عن الشعر المنظوم بأنه يتبع وزنًا محددًا وله قوافٍ متعددة.
يُعرف الموشّح في كتاب بلاغة العرب في الأندلس لأحمد ضيف (ص 224) على أنه `أصل الموشّح من الوشاح، وهو عقد من اللآلئ والجواهر، وهما منظومان مختلفان متصلان ببعضهما البعض بالتبعية، ويتوشّى به المرأة، والشبه بين الموشّحات والوشاح واضح في اختلاف الوزن والقافية في الأبيات، وجمعها في كلام واحد`.
نشأة الموشحات الأندلسية
- الموشح هو فن شعري نشأ في الأندلس.
- بدأت الموشحات في القرن الثالث الهجري.
- في بداية ظهور الموشحات، كانت تتميز بالبساطة وعدم وضوح الملامح كما هي الآن.
في بداية ظهور الموشحات، لم يكن للموشح علم قائم بذاته، ولم يتم تحديد من صنع أول موشحات، ولا يمكن تحديد السنة بالضبط، مما أدى إلى تعدد الأقاويل حول هذا الموضوع.
صرح ابن بسام أن الشخص الذي ابتكر وزن الموشحات وطريقتها هو محمد بن محمود القبري الضرير.
يقول ابن خلدون إن شاعر الأمير عبد الله بن محمد المراوني، مقدم بن معافي الفريري، هو أول من ابتكر فن الموشحات في جزيرة الأندلس، وخلفه في هذا الفن أبو عبد الله بن عبد ربه الأندلسي الذي كتب كتابًا حول هذا الفن يسمى “العقد.
أما عن الرجلان الذي أرجع لهم أبن خلدون وابن بسام هم من الأندلس من قرية تسمى القبرة، وكثيراً من الناس قالوا قد يكونوا شخص واحد في النهاية، ولكن ما يهم أن لا يوجد أثر من أي من الموشحات التي كتبها أيًا منهم، إذ يقول أبن خلدون رغم أنه كتب الكتب إلا أنه لم يكتب أي من الموشحات في كتبه.
كان ابن بسام يلقي الموشحات، ولكنه لم يضم أي واحدة منها في شعره، لأنه لم يرها مناسبة للأشعار الرصينة التي تليق بلغة العرب في ذلك الوقت.
يرجع السبب في نشأة الموشحات إلى الفترة التي كان يحكم فيها الأمير عبدالله المرواني، حيث ازدهرت الموسيقى والغناء في تلك الفترة. وكان للتفاعل الثقافي بين العالم العربي والإسباني تأثير كبير على نشأة الموشحات، وهو ما ذكره الدكتور أحمد هيكل.
يعود العديد من المؤرخين إلى أن نشأة الموشحات كانت ناتجة عن الحاجة إلى الشعور بالحاجة إلى فن جديد، حيث يمتلك الإسبان ولعًا كبيرًا بالموسيقى والغناء، ومنذ قدوم زرياب وتعميم الفن فيهم، بدأوا يعشقون الفنون بكل أشكالها، وكانت هناك حاجة قوية لنشوء فن أسباني جديد يتناسب معهم.
تعد الموشحات نتيجة لاختلاط الثقافة العربية والحضارة الإسبانية.
أما عن نشأة الموشحات فقد أثارت جدل كبير، حيث ان الكثير من الناس ارجعوها إلى الثقافة الفرنسية، لأن هناك فرق من التروبادور كانت تسكن في اسبانيا، وكانوا يغنوا للشرفاء من القوم، ويقيموا الحفلات الكبيرة، وكانت تغني تلك الفرق أغاني ليس لها قوافي ولا وزن، ولكنها كانت مقاطع صوتية تشبه الأوزان والقوافي الفرنسية، ولكن لا دليل قوي على هذا الرأي، فهو رأي باطل وغير منصف، ولا يوجد أي نصوص بقيت من تلك الأغاني لكي يتم الحكم عليها.
هناك رأي آخر يعزو تلك الموشحات إلى الشاعر عبد الله بن المعتز العباسي، حيث إنها أول موشحة معروفة ووصلتنا، وهي `أيها الساقي`. ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، حيث ظهر من ينفي ذلك ويقول إن هذا الموشح لصاحبه أبو بكر بن زهر الأشبيلي. وهناك اتفاق بين العلماء والباحثين على ذلك، ومنهم طه الراوي والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي والدكتور يونس السامرائي والدكتور رضا محسن القريش.
يعتقد بعض العلماء أن أصل الموشحات يعود إلى المشرق، حيث يعتبر أهل المدينة هم من ابتكروا الموشحات لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ظهرت الشمس وطلع البدر عليهم.
تختلف الآراء والأقوال بشأن أصل الموشحات، فهناك من يقول أنها أصلها أعجمي، ويقول الغرب أن أصلها يهودي، ويقول آخرون أن أصلها سريالي، لذا لا يزال هناك الكثير من الآراء المتناقضة حول نشأتها.
ومع ذلك، فإن نشأة الموشحات نتيجة لتفاعل العرب مع الشعب الإسباني لا محالة.
تطور الموشحات الأندلسية
- بدأت الموشحات الأندلسية مثل أي فن جديد، فلم تكن لها ملامح بارزة، إذ كانت واحدة من الفنون الجديدة في الشعر الأندلسي
- لم يتم تدوين الموشحات القديمة، حيث كانت تعتبر مثل الفنون الشعبية التي تنتقل شفهيًا في الطرقات وبين الشعراء وفي المجالس، ولم يول أحد اهتمامًا بتدوينها.
- وصف الباحثون الكلمات التي استخدمت بأنها ركيكة وبسيطة في التركيب، ولا تحتوي على تعقيد أو صعوبة.
- كانت الموشحات في السابق تدور حول موضوعات اجتماعية، مثل التحدث عن الخمر أو الطبيعة، بالإضافة إلى الغزل.
- كانت جميع الموشحات مكتوبة باللغة العربية، باستثناء ما يسمى بالخرجة التي كانت مكتوبة باللغة الأندلسية فقط.
- في الماضي، كانت القوالب ثابتة ولا تتغير، ويصف الباحثون أن جميع الموشحات كانت تتشابه.
- بعد ذلك، تطورت الموشحات بشكل كبير ومذهل وسريع.
- شهدت الموشحات تطوراً كبيراً في القرن الخامس الهجري، خلال عصر ملوك الطوائف، وبعد ذلك أصبحت لها فروع عديدة، من بينها فرع الزجل الذي يعتبر واحداً من الفروع الرئيسية.
- وبعد ذلك، تمت كتابة جميع الموشحات بالفصحى، في حين تمت كتابة جميع موشحات الزجل بالعامية.
انتقلت الموشحات بسرعة إلى المشرق، حيث يتميز العرب بحبهم للفنون وخاصة الموشحات، وظهر هناك العديد من فناني الموشحات في الشرق الذين قاموا بالغناء والتأليف والتلحين للموشحات.
انتقل هذا الفن الديني، أي الموشحات الدينية، من الشرق إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى أوروبا، حيث اشتهر في إيطاليا باسم فن اللاودس، وكان الفن الغنائي يسمى البالاتا.
تحول فن الموشحات إلى فن مرتب ومنظم، وأصبح له قوالب وأصول وطريقة في الكتابة والإلقاء.
ثم أصبح لكل بلد طريقتها الخاصة في الموسيقى الدينية، كأنها ثقافة وتراث فريد لكل دولة.
خصائص الموشحات
- بساطة التركيب اللغوي.
- استخدام التشبيهات، وفنون البلاغة والأدب.
- الجمع لبين الفصحى والعامية.
- يجب التركيز على مواضيع إيجابية ومثيرة للاهتمام، ويفضل أن تكون مواضيع مجتمعية وحياتية.
- مراعاة التركيب اللفظي والإيقاع الموسيقي.
- الموشح يكتب بلفظ بسيط ليلائم البسطاء والمثقفين.
- يجب أن يتم مراعاة نعومة اللفظ في الكتابة، خاصة عند كتابة الموشحات التي يتم غناؤها فيما بعد.
- استخدام الصور الفنية المتعددة والوصف والتشبيه.
- مراعاة ألا يكون النص رقيق وغير هادف.
- يتألف الموشح من شطر واحد فقط وليس كالقصيدة.
- يشمل استخدام جميع أنواع المحسنات ، مثل البديع والطباق والمقابلة والجناس.
- تتنوع القوافي، فهي ليست قصيدة، حيث يمكن للكاتب أن يتحرر من القوافي في بعض الأحيان وأن يلتزم بها في أحيان أخرى.
- يتألف الموشح من خمس فقرات، حيث تتكون كل فقرة من مجموعة من الأبيات، وتسمى كل هذه الأبيات بـ `بيت`.
- يجب أن تتوازن الأبيات في البيت الشعري، ولكن لا يجب أن تتطابق مع الأبيات الأخرى في القصيدة.
أغراض الموشحات
كانت لنشأة الموشح أصول وأسباب، وكان من أهم تلك الأسباب استجابة لوجود فن جديد بعد معرفة الإسبان بوجود فنون الغناء على يد زرياب والشعر والنثر
الغزل
- يشير الغزل إلى العواطف والشعور بالرغبات واللواعج النفسية، وهو واحد من الحاجات التي أدت إلى ظهور الموشحات الاندلسية.
- يستخدم الشعراء الكلمات المليئة بالطرب والتي تحمل المعاني الوجدانية المميزة.
- يروى أن مجموعة من الرجال اجتمعوا ليلقوا بموشحاتهم، وكانت الموشحات في أشكالها الجميلة، وقام رجل يسمى الأعمى التطيلي بإلقاء موشحه، فقام الجميع بتمزيق موشحاتهم، معبرين عن الطرب والإعجاب الشديد بما قدمه الرجل من موشح غزلي.
الرثاء والهجاء
- كان الرثاء من أهم أنواع الشعر والنثر في الثقافة العربية، وعندما ظهرت الموشحات، أصبحت جزءًا من سباق الرثاء، ولكنها لم تكن في المقدمة من الفنون، حيث تميزت بانحيازها نحو الإيجابية والحب، وكتبت للغزل والمدح.
- تتميز الموشحات بالكلمات الرقيقة، وكان ذلك من أهم خصائصها، واشتهرت بالعذوبة في الكلمة والمعنى.
- على الرغم من عدم اتقانها الهجاء، فإنها دائمًا ما تشعر بالطمأنينة والسكون، وتتميز باللفظ الناعم ورقة العبارة.
المديح
كانت القصائد التي تشمل المديح تُكتب من أجل الربح والتسويق، وكانت تُلقى في قصور الأمراء والخلفاء وفي المناسبات والحفلات، بهدف تفخيم شخصية الأمير أو الخليفة.
وصف الطبيعة
كان من أهم أغراض الموشحات، وصف الطبيعة والتغني بجمالها، كما أن لا احد يمكن أن يجهل بحب أهل الأندلس للطبيعة الخلابة، كما أن بلادهم وجمالها الطبيعي وخضارها وأشجارها، لا يمكن أن يتجاهله أحد، مما جعل الموشحات التي تنظم من أجل الطبيعة كثيرة ومميزة، وتعتبر من اجمل ما كتب من موشحات في تلك الحقبة.