المعنى العظيم والحقيقي لـ اعقلها وتوكل
التوكل، ما أعظم معناه وما أسماه من شعور! ولكن هذا يثير نفس الأسئلة، هل ندرك حقيقة معنى التوكل؟ هل نشعر بقيمته الحقيقية؟ هل يتعارض التوكل مع اتخاذ الأسباب؟ وهل يقتصر التوكل على الشدائد فقط؟ ولمعرفة إجابة هذه الأسئلة، دعونا نشرح المعنى الحقيقي للتوكل والفرق بين معناه وما يعتقده كثيرون منا بشأنه.
مفهوم التوكل
التوكل في اللغة يعني الاعتماد والتفويض، وهو عندما تعتمد على الله وتفوضه في أمور حياتك. ولكن هل هذا يعني أنه يجب عليك الاعتماد على الله دون أخذ الإجراءات اللازمة؟ بالطبع لا. فالله منح بني آدم العقل الذي يميزهم عن سائر المخلوقات. المؤمن يكون حكيما ومتفهما، ويقول الله عز وجل: `إن عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جاهلا
فالتوكل هو الثقة الكاملة بالله عز وجل والاستسلام لقضائه وقدره ولكن بدون إهمال الأسباب واستخدام العقل، فمن غير الملائم أن يأمرنا بأمور تتعارض مع مبادئ العقل والتفكير. فهل يعني التوكل أن أذهب للحرب بدون ارتداء الدرع وأقول توكلت على الله؟ هل يعني التوكل أن أترك المفتاح في سيارتي في الشارع وأقول توكلت على الله ولن تتعرض لأي ضرر؟ بالطبع لا، إذا صح أن نطلق عليه ذلك، فإنه يعد كسلا وضعفا وتقصيرا.
المعنى الحقيقي والعظيم ل “اعقلها وتوكل”
لقد روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلًا جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ومعه ناقته فقال: أعقلها وأتوكل، ام أتركها وأتوكل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل). ومعنى هذا الحديث أن الرجل قد سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- هل يربط الناقة بالحبل ثم يتوكل على الله أم يتركها دون رباط ويتوكل على الله، فرد عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يربطها ثم يتوكل، أي يأخذ بالأسباب أولًا ثم يتوكل على الله. لم يكن الله ولا النبي ولا الإسلام ليدعونا في يوم إلى الكسل والخور والضعف، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومن هنا يتجلى المعنى الحقيقي والعظيم ل “اعقلها وتوكل”، اعقل أمورك أيها المؤمن وزنها جيدًا ثم توكل على الله.
يقول ابن مسعود: من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تطعمهم ما لم يؤتك الله. إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خصاما وتروح بطانا”، فالمسلم المتوكل يترك بيته متجها إلى عمله ويستغل جميع وسائل الرزق، ويعمل وفقا لها، متوكلا على الله أنه لا يستطيع أحد الإضرار به في عمله طالما أنه يؤدي واجباته بالكامل، ويثق في قدرة الله على حمايته ورزقه.
إن تحقيق التوكل بمعناه الشامل الذي يشمل الإيمان بالأشياء غير المرئية والرضا بقدر الله لا يتعارض أبدا مع اتباع الوسائل واستخدام العقل. وقد قدم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك حينما قال لرجل ما معناه: `احترس واعمل بالوسائل ثم توكل على الله`. يجب أن يأخذ المؤمن بالإجراءات التي تحمي الشيء الذي يخاف فقدانه، ثم يتوكل على الله بعد ذلك. فقد أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه قائلا: `يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين`، فقد أمر الله المؤمنين بالحذر والاحتياط. أليس الله قادرا على حماية المؤمنين؟ بالطبع لا، ولكن هذا هو أمر الله للمؤمنين بأخذ الوسائل واتخاذ الحيطة.
أيها المؤمن، أنت فطن كيس كما وصفك سيد الخلق، فلا تترك أذنيك لما يتردد على مسامعنا من الكسالى الذين يعتقدون أن التوكل هو الاعتماد على الله دون استخدام الوسائل أو دون العمل، أو لأولئك الذين يعادون دين الله ويقولون أن الإسلام يأمرنا بالكسل وعدم العمل. فكن إيجابيا واعقلها وتوكل، فإننا نتوكل عليك يا الله وإليك ننيب وإليك المصير