المعجزة الاقتصادية الألمانية
عندما يتم مناقشة أهم الأحداث الاقتصادية في العالم، يأتي دائما إشارة إلى `المعجزة الاقتصادية الألمانية`. هذه المعجزة أثارت إعجاب العالم نظرا لقدرة هذا البلد العظيمة على التحول من حالة الدمار التي تعرضت لها بعد الحرب إلى حالة التقدم والازدهار، وذلك في وقت قصير جدا، بالمقارنة مع العديد من الدول التي فشلت في تحقيق تقدم ملحوظ بعد فترة قصيرة من انتهاء الحروب. بفضل قادتها وأبنائها، نجحت ألمانيا في تحقيق هذه المعجزة الاقتصادية التي لا يتوقعها العالم.
مفهوم المعجزة الاقتصادية
يجب أولًا التعرف على مفهوم المعجزة الاقتصادية قبل الاطلاع على المعجزة الاقتصادية الألمانية.
- يشير مصطلح المعجزة الاقتصادية إلى التقدم السريع للدول بعد فترة من الانخفاض، والازدهار الذي يأتي بشكل غير متوقع بعد الدمار والخراب الذي تعرضت له الدولة.
- تعد المعجزة الاقتصادية الألمانية واليابانية معجزتين تأثرتا حقًا على مجرى التاريخ الحديث، نظرًا للدمار الذي تعرضت له تلك الدول بعد الحرب العالمية الثانية، مما جعل العالم يفقد الأمل في عودة تلك الدول إلى مصاف الدول المتقدمة خلال بضع سنوات.
المعجزة الاقتصادية الألمانية
تتلخص المعجزة الاقتصادية الألمانية (بالألمانية : وايتشافتر (Wirtschaftswunder) هو عبارة عن عملية صعود ألمانيا لتصبح قوة اقتصادية عالمية بعد الدمار الذي لحق بالبلاد جراء الحرب العالمية الثانية، حيث هاجمت قوات الحلفاء أجزاء كبيرة من البلاد وكانوا عازمين على تدميرها بالكامل.
لم يكن تدمير ألمانيا سوى تخيل كئيب لمستقبل تلك الدولة، حيث توقع العالم سقوط ألمانيا إلى الأبد، أو على الأقل صعودها بعد عقود من انتهاء الحرب. ولكن بحلول عام 1989 وبالضبط بعد سقوط جدار برلين الفاصل، عادت الوحدة والقوة إلى الدولة من جديد، حتى أصبحت ألمانيا ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم، تلي اليابان والولايات المتحدة الأمريكية من حيث الإنتاج المحلي.
استُخدِم مصطلح المعجزة الاقتصادية الألمانية للمرة الأولى من قِبَل صحيفة التايمز البريطانية، التي عرضت مراحل تقدم ألمانيا في شتى المجالات، لتصبح ألمانيا نموذجًا يحتذى به في العالم.
اقتصاد ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
تروي الأرقام التي وردت عن حالة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية قصة أمة عانت من الفوضى والتقشف.
- تراجع الإنتاج الصناعي في البلاد إلى الثلث.
- انخفضت نسبة المساكن في البلاد إلى 20% فقط.
- انخفض الإنتاج الغذائي إلى النصف مما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
- تم قتل الآلاف من الرجال وإصابة الآلاف بالشلل، وتراوحتأعمارهم بين 18 و35 عامًا، وهم الفئة العمرية الرئيسية التي تشكل صُلب البلاد، والتي تمتلك القدرة البدنية على إعادة بناء البلاد من جديد.
- فرض الحلفاء سياسة التقنين الغذائي للمدنيين، وذلك بتوفير 1000 إلى 1500 سعرة حرارية للفرد يوميًا، بعد أن كانت نسبة السعرات الحرارية التي كان يتناولها كل فرد قبل الحرب 2000 سعرة حرارية يوميًا.
- التقنين الغذائي أدى إلى ظهور سوق سوداء ضخمة لتوفير الأغذية.
- تم تقسيم البلاد إلى نصفين بعد احتلالها من قبل أربع دول، فأصبح الجزء الشرقي من البلاد متأثرًا بالسياسة السوفيتية، بينما كان الجزء الغربي متأثرًا بالنظام الديمقراطي.
شخصيات أثرت في المعجزة الاقتصادية الألمانية
ساهم العديد من الأشخاص في تعزيز نمو الاقتصاد الألماني بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تخليد العديد من الأسماء الاقتصادية حتى اليوم في ألمانيا، نظرًا للدور الذي قاموا به في إعادة إحياء البلاد من جديد.
- والتر أوكن: ربما كان الشخص الأهم في النهضة المذهلة التي شهدتها ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، قد درس الاقتصاد في جامعة بون ومن ثم ساهم في التدريس بالجامعة، ليصبح من الشخصيات البارزة في تغيير المفاهيم الاقتصادية الألمانية.
- لودفيغ إيرهارت: أطلق على إيرهارت لقب “والد المعجزة الاقتصادية الألمانية”، نظرا لدوره البارز في عملية تحسين الاقتصاد الألماني الحديث، حيث استغل نفوذه السياسي في إعادة الحياة إلى ألمانيا الغربية، من خلال صياغة عملة جديدة للبلاد، وتقليل الضرائب لتشجيع الاستثمار وإحياء الاقتصاد، بالإضافة إلى إزالته لضوابط الأسعار.
الجدير بالذكر أن قرارات لودفيغ إيرهارت قد أدت إلى الآتي:
- عادت ألمانيا الغربية إلى الحياة.
- زيادة السلع والمنتجات في المتاجر.
- تم إيقاف نظام المقايضة الذي كان واحدًا من أهم الأنظمة التي تمارس في السوق السوداء في البلاد.
- انتهاء عصر السوق السوداء.
- ترسيخ قواعد السوق التجاري الألماني.
- يرجع شغف الألمان بالعمل إلى الحاجة إلى توفير قوت يومهم، وهذا الأمر قلص ساعات البحث عن الطعام التي كانوا يقضونها بعد الحرب العالمية الثانية.
- زاد الإنتاج الصناعي بمقدار 80%.
- أسفر برنامج الإنعاش الأوروبي المعروف باسم `خطة مارشال` عن منح قروض للدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية، وتخصيص جزء كبير من المنحة لألمانيا.
يتبين من نتائج تقسيم ألمانيا بعد الحرب أن ألمانيا الغربية كانت أكثر تطوراً من الجانب الشرقي، ولكن بعد هدم جدار برلين، أصبحت ألمانيا بأكملها متساوية كما كانت في السابق.
أسباب قوة الاقتصاد الألماني
- قوة الصناعة: تُعَدُ ألمانيا مهمة للغاية في مجال الصناعة، إذ يبلغ معدل الصناعة نحو 22.9% من القيمة المضافة الإجمالية، وهذا يجعلها في مقدمة الدول الصناعية السبع، وذلك بفضل صناعاتها المتميزة كصناعة المركبات والكهربائية والهندسية والكيميائية.
- الاهتمام بالتصدير: تحتل ألمانيا مكانة مرموقة كواحدة من أكبر الدول المصدرة في العالم، حيث تأتي بالترتيب مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين في معدل الصادرات إلى الخارج.
- الانفتاح التجاري: عند إجراء مقارنة بين الدول الصناعية السبع من حيث الانفتاح الاقتصادي، تتصدر ألمانيا المرتبة الأولى بحصة تجارة خارجية تبلغ حوالي 84.4٪، بينما تبلغ حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة حوالي 26.7٪، وهذا يعني أن ألمانيا أكثر اقتصاديًا مفتوحة على العالم في مقارنة بالولايات المتحدة.
- المؤسسات المتوسطة: تشكل المؤسسات المتوسطة قلب الاقتصاد الألماني، ونحن نتحدث هنا عن الشركات التي تحقق مبيعات سنوية أقل من 50 مليون يورو، ونسبة التوظيف في تلك الشركات أقل من 500 موظف، ويُطلق عليها اسم “أبطال الاقتصادم الخفيين للاقتصاد” نظرًا لدورهم الكبير في قيادة السوق الدولية بكفاءة.
- تنظيم المعارض التجارية: تولي ألمانيا اهتمامًا كبيرًا لتنظيم المعارض التجارية حولالعالم، وتقام ثلث الأحداث الصناعية الكبرى في ألمانيا، ويحضر هذه المعارض حوالي 10 ملايين زائر من مختلف أنحاء العالم.
- تأسيس المراكز الاقتصادية الكبرى: تتميز ألمانيا بتوفير مراكز اقتصادية كبرى في مدنها المختلفة، حيث أن مدنًا مثل ميونخ وفرانكفورت وهامبورج وبرلين لديها شهرة عالمية كمراكز اقتصادية ضخمة.
- معدلات التوظيف المثالية: تسعى ألمانيا جاهدة لتوظيف أبناء الوطن من خلال توفير فرص عمل مثالية لفئات المجتمع المختلفة، وقد أدى ذلك إلى تقليل نسبة البطالة وزيادة الأيدي العاملة، وهو ما زاد من قوة الاقتصاد الألماني خلال السنوات الأخيرة.
أوجه التشابه بين المعجزة الاقتصادية اليابانية والألمانية
تتشابه المعجزة الاقتصادية الألمانية واليابانية في عدد من النقاط القوية، والتي جعلت كلًا من ألمانيا واليابانمن الدول الديمقراطية المتقدمة.
- الدعم الأمريكي: بعد الحرب العالمية الثانية، حصلت ألمانيا واليابان على دعم مالي كبير، حيث حصلت ألمانيا على دعم بقيمة 13.3 مليار دولار من المنح والقروض، وحصلت اليابان على دعم بقيمة 2.44 مليار دولار.
- التطبيع مع الجيران: قامت ألمانيا بتوقيع معاهدات السلام مع إسرائيل والمنظمات اليهودية، وقامت اليابان بتوقيع معاهدات السلام والتطبيع مع دول أوروبا وشرق آسيا وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الصين الشعبية.
- الاهتمام بالتعليم: أولت ألمانيا واليابان اهتمامًا كبيرًا للتعليم، وتلقى ذلك تجاوبكبيرًا من الشعوب مما ساهم بشكل كبير في التطور المستدام وتخريج جيل من العلماء والمهندسين والاقتصاديين.