صحة

اللدونة العصبية

الاضطراب العصبي، المعروف أيضا بتشوش الدماغ ويشمل نوعين من الاضطرابات، الأول هو الاضطراب الشبكي والثاني هو الاضطراب غير الشبكي. يرتبط هذا بالتغيرات في نقل الإشارات العصبية، خاصة تلك التي تحدث بعد الإصابات الجسدية. في السابق، كانت آراء أطباء الأعصاب تشير إلى أن الدماغ يظل ثابتا ولا تحدث له تغيرات بعد فترة النمو الحرجة أو اكتمال التطور. ومع ذلك، ظهرت جدلية كبيرة حول هذا الاستقرار المفترض. فقد أثبتت بعض الأبحاث أن الدماغ البشري ككائن حي له تشريح ووظائف يمكن أن تتطور حتى بعد فترة النمو الحرجة، وقد دعمت بعض الدراسات هذه الفرضية .

“بذلك نستطيع القول أن اللدونة العصبية : اللدونة العصبية هي قابلية الخلايا العصبية في دماغنا وجهازنا العصبي للانحناء والتغيير والتكيف والتعديل، مما يعني أنها قابلة للتغيير في أي مرحلة حتى في الشيخوخة

أهمية اللدونة العصبية في : –
1- معالجة الضرر الدماغي .
عند تعرض الدماغ للأذي يستطيع المخ نقل نشاطه المرتبط بإحدى الوظائف الى موضع مختلف خلال مرحلة الشفاء من الأذى , حيث أثبتت الأبحاث الحديثة أنه في مخ البالغ عند التعرض للإصابة ينقل النشاط الى موضع آخر كما لوحظ بناء خلايا عصبية جديدة, قديما كان يعتقد ان هذا العمل قاصر على الحصين و البصلة الشمية و لكن الأبحاث الحديثة أثبتت أن ذلك يتم أيضًا في أاكن او مواضع أخرى من المخ كالمخيخ , فمثلًا كانت أحد الأبحاث تقوم على تجربة خاصة بسيدة مصابة بإضطراب في الجهاز الدهليزي و هو يوجد في الأذن , حيث تصدر منه الإشارات بشكل عشوائي لذا فقد إستطاع الطبيب بول باخ ريتا القائم عليها بتطوير آلة تحل محل الجهاز الدهليزي لديها ( بوابة الدماغ ) و كانت تقوم تلك الآلة بعمل الجهاز الدهليزي لكن الملاحظ أنه بعد فترة من إستخدام بوابة الدماغ شفيت المريضة من هذا الإضطراب و لم تعد بحاجة لإستخدام الآلة , و قد فسر الطبيب تلك النتيجة أنها بسبب اللدونة العصبية , حيث قام المخ بالعثور على مسارات او طرق جديدة تلتف حول المسارات المتضررة بالتالي إستطاع المخ الإستفادة بالأنسجة السليمة لتعزيز الإشارات او بمعنى آخر قام المخ بإستكشاف بعض الطرق الثانوية الغير مستخدمة لمسارات الإشارات و عمل على تقويتها لتعمل بديلًا عن المسارات و الأنسجة المتضررة و هذا ما يتميز به المخ اللدن .

أما أحدث و أهم الأبحاث في ذلك المجال فهو بحث متعلق بعلاجات خاصة لعلاج الإصابات الدماغية الرضية و التي تحدث كالسكتات الدماغية و ذلك بإستخدام جرعات من البروجيسترون الذي يعمل على تنشيط عملية بناء الخلايا المتضررة او البديل لها , و قد أظهرت النتائج أن العلاج بهذا النوع بعد الإصابات مباشرة يحقق نسب شفاء عالية لكن البحث مازال مستمرًا فيما يخص الحالات المزمنة او التي إصاباتها الدماغية قديمة و حدثت منذ فترة .

2- الرؤية .
حتى وقت قريب ظل الإعتقاد السائد أنه لا يمكن إكتساب مهارات الرؤية الى الا اذا تم التعلم في مرحلة الطفولة لكن الأبحاث الجديدة أثبتت أن هذا الإفتراض ليس صحيحًا , حيث إستجابت بعض حالات و حدث لها بعض التحسن و بخاصة حالات الحول , قصور التقارب , المرضى الذين يعانون من شذوذ في الرؤية المجسمة .

3- الأطراف الوهمية .
حالات من 60 الى 80% من أصحاب الأطراف المبتورة يشعرون بالألم في الجزء المبتور او يشعرون بوجوده و يفسر العلماء و الأطباء ذلك الشعور بسبب اللدونة العصبية , حيث أن الخرائط القشرية لتلك الأطراف تكون مرتبطة مع المناطق القشرية المحيطة بها مما يساعد على تنشيط المنطقة المحيطة بالعضو المبتور فيتم تفعيلها بالخطأ .

4- الألم المزمن .
عند مرض جزء من جسم الإنسان و إستمرار عملية الشعور بالألم به لفترة من الزمن فإن ذلك يؤدي الى إرتفاع في الطاقة المؤلمة من الجهاز العصبي المحيطي الى المركزي و مع إستمرار فترة الإحساس بالألم فحتى بعد الشفاء يظل الإحساس بالألم في تلك المناطق نتيجة هذا الخلل ,يعود الشعور بالألم المزمن الى نقص المادة الرمادية في المخ و بخاصة في القشرة امام الجبهة و الوطاء الأيمن و ذلك بسبب اللدونة العصبية لكن مع المعالجة يتم زيادة المادة الرمادية و إعادة تنظيم القشرية و بالتالى الآثار الناتجة عن ذلك تتلاشى و ذلك أيضًا بسبب اللدونة العصبية .

هناك بعض المعالجات التي تساعد في الشفاء، حيث تعمل على استغلال اللدونة العصبية .
1- البدائل الحسية .
مثال على ذلك هو حالة فقدان السمع لدى الأطفال حديثي الولادة، حيث إن إجراء زرع بدائل حسية يعمل على تحسين وتنشيط الجهاز السمعي لتحقيق نمو وظيفي، ولكن يجب أن يتم هذا التدخل أو عملية زرع البدائل في وقت مبكر لتحقيق نتائج مرضية .

2- التأمل .
أثبتت الدراسات و الأبحاث الحديثة الإرتباط بين التأمل و التغير في سماكة المنطقة القشرية و كثافة المادة الرمادية بالمخ , قد أثبت البحث ان ممارسة التأمل على المدى الطويل او المدي القصير يؤثر في نشاط الدماغ في المناطق المرتبطة بالإهتمام بالقلق ,الإكتئاب , الخوف , الغضب , قدرة الجسم على شفاء نفسه , مما يعني أن التغيرات الوظيفية تأتي نتيجة للتغيرات في الهيكل الدماغي او التشريحي للدماغ و ذلك بالطبع عائد الى اللدونة العصبية .

3- اللياقة البدنية او التمارين الرياضية .
أثبتت الأبحاث الحديثة مؤخرًا أن ممارسة التمارين الرياضية او أي نوع من أنواع الرياضة يعمل على تحسين او تعزيز تغيرات المرونة العصبية في أماكن مختلفة من المخ .

4- تحديد الموقع بالصدى .
وفقا للأبحاث، يتطور لدى الإنسان مراكز بديلة أو حواس بديلة في حال فقد أحد حواسه. على سبيل المثال، يتعلم فاقدو البصر مهارة استشعار البيئة المحيطة بهم من خلال الصدى، والذي يعوض وظيفة الرؤية بالنسبة لهم. يتطور أجزاء الدماغ المرتبطة بهذه المهارة أو القدرة .

5- التغير الموسمي في الدماغ .
أظهرت الدراسات أن هذا الحالة تحدث في الإنسان بالإضافة إلى الحيوان، حيث يزيد حجم النواة فوق التصالب البصري في الإنسان خلال فصل الصيف والخريف، وخاصةً العصبونات التي تفرز الهرمون المضاد للإبهار، وينخفض حجم النواة في الربيع .

الأبحاث في مجال اللدونة العصبية .
ظهر مصطلح اللدونة العصبية لأول مرة في عام 1890 عندما قدمه ويليام جيمس، ولم يحظ بالاهتمام من قبل أطباء الأعصاب في ذلك الوقت .

في عام 1923، قام كارل لاشلي بدراسة هامة تعدّت حدود هذا المجال، حيث أثبت وجود اللدونة العصبية، وعلى الرغم من عدم حصوله على الاهتمام الكافي، فإن هذه الدراسة وضعت أساسًامهمًا لإثبات وجود اللدونة العصبية .

2- في الستينات، ظهر بول باخ ريتا وقدم اختراعا لفاقدي البصر، وهو جهاز تطبيقي أولي في مجال اللدونة العصبية. ساعد هذا الجهاز الذي قدمه بول باخ ريتا الأشخاص فاقدي البصر على تمييز الأشياء بدقة. يرون بول باخ ريتا أنه عندما يفقد الإنسان حاسة واحدة، يمكن استبدالها بحاسة بديلة، كما حدث مع فاقدي البصر الذين استبدلوا البصر بالعين وتمكنوا من تمييز الأشياء عن طريق مراكز الإحساس في الجلد، باستخدام حاسة اللمس. تتحول هذه الإشارات المستقبلة عن طريق اللمس إلى معلومات بصرية في الدماغ، ويحتاج المخ إلى التكيف مع هذه المهارة الجديدة من خلال اللدونة العصبية. فنحن نرى بأدمغتنا وليس بأعيننا، تماما كما يرى بول باخ ريتا .

ما زالت الأبحاث تستمر فيما يتعلق باللدونة العصبية، وهي بوابة الأمل لعلاج العديد من الحالات التي فقدت الأمل في علاجها واستعادة حياة الإنسان بشكل كافٍ للعناية بنفسه أو استعادة إحساسه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى