– يعتبر مفهوما المشيئة والإرادة مفاهيم غير مفهومة بالنسبة للكثيرين، لأنهم لا يعرفون الفرق الحقيقي بينهما، ولا يعرفون المعنى الحقيقي لكل كلمة. يمكن تقسيم الإرادة إلى نوعين: الإرادة الكونية، وهي تعني المشيئة، والإرادة الشرعية. وسنحاول في هذا المقال توضيح الفرق بينهما، واستخدام آيات من القرآن الكريم لتوضيح الفرق.
المشيئة أو الإرادة الكونية
الأشياء التي تقع لا محالة هي الإرادة الكونية أو المشيئة، وتقال فيها ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه الإرادة تشمل الجميع بدون استثناء، وتضم جميع الكائنات الحية، فهي تشمل المؤمن والكافر، والعالم والجاهل، وأهل الجنة وأهل النار، والبار والعاصي، فالجميع فيها سواسية، وهي تمثل قوله تعالى في سورة الكهف الآية 39، حيث قال الله تعالى: “ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا”. فالآية توضح أن المال والولد ما هما إلا رزق من عند الله، ويدخلان في بند الإرادة الكونية، فالله يعطيها لمن يشاء ويحرمها على من يشاء.
قال تعالى: `فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا`، صدق الله العظيم، سورة الأنعام الآية 125. هذه الآية توضح مفهوم المشيئة، حيث تشير إلى أن الدخول في الإسلام يكون بمشيئة الله وحده. فمن يشاء الله أن يهديه، يفتح قلبه لقبول الإسلام، ومن يشاء الله أن يضله، يجعل قلبه ضيقا ومحبطا عن الإسلام.
قال تعالى ” وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ” صدق الله العظيم، سورة البقرة الأية 253، وهذه الأية أيضا توضح معنى المشيئة، حيث أنها تبين أن القتال بإرادة الله وحده، ولو شاء الله أن يمنعه لمنعه، ولكن مشيئة الله أمر حتمي لا مفر منه.
من المعلومات السابقة يمكن الاستنتاج بأن المشيئة الكونية أو الإرادة اللهية هي إرادة الله في كل شيء، وهي إرادة حتمية، وتشمل كل شيء، حيث يقوم الله بتوجيه من يشاء ويرزق من يشاء، سواء بالمال أو الأولاد، وجميع الأحداث الكونية مرتبطة بمشيئة الله وحده.
الإرادة الشرعية
الإرادة التي تشمل المحبة والرضا هي التي يتمناها الله تعالى لعباده. ولكن هذه الإرادة لا تتحقق إلا إذا كانت مدعومة بالإرادة الكونية. يريد الله تعالى لعباده الخير والرزق والإيمان والطاعة، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بوجود الإرادة الشرعية والكونية معا. لتوضيح المعنى، نذكر بعض الآيات القرآنية التي توضح هذا المعنى، مثل الآية رقم 6 من سورة المائدة والآية رقم 33 من سورة الأحزاب والآيات من 26 إلى 28 من سورة النساء.
توضح لنا الآيات السابقة أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الذنوب والمعاصي والكفر، ولا يرضى بها، على الرغم من أنه هو الذي خلقها وأوجدها، ولكنه يحب المؤمنين الذين يصدقون أنبيائه ورسله ويؤمنون بهم، ويقومون بما يؤمرون به، وينصرونهم على الكفار ويدخلهم جناته. وبالتالي، فإن الإرادة الشرعية تشمل جميع أنواع العبادات والطاعات، سواء قام بها العباد أم لم يفعلوها، وهذا النوع من الإرادة لا يحدث بالضرورة، ولكن ليحدث يجب أن يوجد الإرادة الكونية.
مقارنة بين المشيئة والإرادة
هناك فوارق بين المشيئة والإرادة منها:
المشيئة تعني إرادة الله الكونية، وهي لا تمكن من الهروب أو التجنب، وتشمل جوانب الحياة كلها، بما في ذلك الرزق والإيمان والأحداث الكونية التي تؤثر على الكائنات الحية بغض النظر عن معتقداتهم، بينما تعني الإرادة الشرعية المحبة والرضا، لكنها لا تتطلب الوقوع أو التحقيق.
يحدث القدر بالتأكيد، أما الإرادة فلا تحدث إلا إذا كانت مترابطة بالقدر.
الإرادة الشرعية تعني أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالطاعة وأعمال الخير، بينما الإرادة الكونية تعني أن الله يريد أن يهدي بعض الناس للإيمان ويختارهم للقيام بالأعمال الصالحة، بينما يترك بعض الآخرين بدون هداية، وهؤلاء يعتبرون كفارا ولا يقومون بأعمال الخير.