الفجوة المعرفية بين العالم المتقدم والعالم الثالث
ما هي الفجوة المعرفية
الفجوة المعرفية هي الفجوة التي تنشأ في المقاييس المعيشية وتحدث بين أولئك القادرين على الوصول إلى المعلومات والمعرفة والعمل على اكتسابها ومعالجتها ونشرها، وبين أولئك الذين يفتقرون إلى القدرة على ذلك. يمكن أن نعتبر الفجوة المعرفية بوصفها الفجوة الكبيرة التي تفصل بين أولئك الذين يمتلكون المعرفة والأدوات اللازمة لاستخدامها واستفادتها، وبين أولئك الذين لا يمتلكون هذه المعرفة أو هذه الأدوات. وتكون هذه الفجوة واضحة بين البلدان المتقدمة والنامية، بمعنى أنها تحدث في جميع أنحاء العالم.
نظرية الفجوة المعرفية تنشأ بسبب المحتويات العامة والعلمية، وقد أدت هذه النظرية إلى تحقيق تغيير اجتماعي وتأثيرها على الأسباب التي ساعدت في تطوير وزيادة الفجوات المعرفية في وسائل الإعلام، ويجب أن نلاحظ أن نظرية الفجوة المعرفية تتأثر بالخصائص المتعلقة بالفئات الاجتماعية، وتكون هذه الخصائص سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
نشأة نظرية فجوة المعرفة
خلال فترة السبعينات، ظهرت الفجوة المعرفية، حيث قام علماء الإعلام والاتصال الجماهيري بتحديدها. وتأثر النظام الاجتماعي ككل بالمعلومات الهائلة المتوفرة، حيث تهدف نظرية الفجوة المعرفية إلى زيادة المعرفة وليس نقصانها. وفي النهاية، تهدف إلى جذب شرائح مجتمعية عديدة تسعى للوصول السريع إلى معلومات اجتماعية وعلمية ودينية، بالإضافة إلى المعلومات الاقتصادية والثقافية. وهناك علاقة تربط زيادة الفجوة المعرفية بتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
تعتبر الفجوة المعرفية أسباب الصعوبات التي تواجهنا في التعامل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من المعرفة، حيث يتم اعتبار هذه المعرفة كأنها سلعة غير منتشرة أو موزعة بشكل متساو في جميع المناطق.
تحديد الفجوة المعرفية بين العالم المتقدم والعالم الثالث
يمكن تلخيص هذه الجملة بالشكل التالي: في عام 1999/1998، نشر البنك الدولي تقريرًا عن التنمية في العالم يتحدث عن المعرفة والتنمية، وأصبح تضييق الفجوة المعرفية بين البلدان هدفًا رئيسيًا لوكالات التنمية الدولية وبعض الحكومات الوطنية. يميز التقرير البنك الدولي نوعين من المعرفة
- معرفة السمات التي تؤدي إلى مشاكل المعلومات والمعرفة حول التكنولوجيا، حيث أن البلدان النامية أو بلدان العالم الثالث عادة ما يكون لديها قدر أقل من هذه المعلومات مقارنة بالبلدان المتقدمة، فتسمى هذه التوزيعات الغير المتكافئة عبر الفجوات المعرفية داخل البلدان بفجوة المعرفة الدولية، فنجد أن المعرفة تحققت في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الرغم من أنه لا يتم تحديد معنى المعرفة بشكل واضح ولكن يمكننا أن نستنتج أن التعليم والإنفاق على البحث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات تعتبر البنية التحتية للمتغيرات الحاسمة.
- تأثير الرفاهية على ثورة المعلومات والتنمية، وقد أدى ذلك إلى ظهور وجهات نظر متضاربة؛ حيث يعتقد البعض أن المعلومات وتقنيات الاتصال يمكن أن تساعد البلدان النامية في عملية التطور، بينما يرون آخرون أن البنية التحتية العالمية للمعلومات الناشئة تعود إلى الاختلاف الاقتصادي بين البلدان النامية والصناعية.
اتساع الفجوة المعرفية
تحدث الفجوات المعرفية بين الدول أو مجموعات الدول وبين المناطق أو الطبقات أو المجتمعات داخل الأمم، حيث أن الفجوة المعرفية تشير إلى وجود فرق كبير بين المؤشرات وقياس خصائص مجتمعات المعرفة، وإن هذه المؤشرات تقيس متوسطات البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتنمية الموارد البشرية بالإضافة إلى الاستثمارات في البحث والتطوير والمجالات ذات الصلة، فإن هذه المؤشرات تشير إلى الهياكل والمؤسسات الأكثر تعقيداً وبالتالي يتعين عليها أن تعمل علىل استكمال البيانات ببيانات وصفية نوعية تحليلية.
هناك بعض الآراء لبعض المعلقين المتفائلين، حيث يرون أن التوسع السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد حسن الوصول إلى المعرفة بشكل كبير، وأن انتشارها قد ربط أجهزة الكمبيوتر الشخصية لملايين الأشخاص بالإنترنت، مما أدى إلى ربطهم بالمعرفة. ومن أمثلة ذلك، ارتفع عدد أجهزة الكمبيوتر في ماليزيا من 37.3 لكل ألف شخص في عام 1995 إلى 103.1 في عام 2003، وزاد عدد مستخدمي الإنترنت من 40 ألف شخص إلى 3.7 مليون في نفس الفترة.
رأى الأستاذ إسحاق شاري أن سياسات التنمية العامة التي تم تنفيذها ضمن السياسة الاقتصادية الجديدة لها تأثير كبير على تقليل عدم المساواة في الدخل في ماليزيا منذ أواخر السبعينيات. ومع ذلك، منذ عام 1990، ظهر توجه نحو زيادة عدم المساواة في الدخل بشكل عام وبين الأعراق. وكان هناك أيضا اختلافات في الدخل بين المناطق الحضرية والريفية. أشار إلى أن سياسة الحكومة كانت تعمل في الاتجاه المعاكس وتسعى للتحرير وإلغاء القيود والخصخصة منذ أواخر الثمانينات. وكان هذا التوجه يزيد من عدم المساواة.
نرى هنا أن الفجوة تتسع بسبب تطور بعض المناطق داخل البلدان بشكل أسرع من غيرها، وأن بعض البلدان تسير بمسار أسرع نحو مجتمع المعرفة مقارنة بالدول الأقل فقيرة، ويوجد العديد من الحجج التي تدعم هذا الأمر، من بينها:
- عند التوصل إلى أن المعرفة هي العامل الرئيسي للإنتاج قامت الدول المتقدمة ولا سيما الولايات المتحدة بتوسيع نطاق حماية الحقوق الملكية الفكرية وخاصة براءات الاختراع، حيث مُنع الوافدون المتأخرون في الاقتصاد من استخدام المعرفة الأساسية أو يجب عليهم أن يدفعوا المبالغ الباهظة لاستخدامها.
- يستغل الدول المتقدمة التي تعتمد على المعرفة والقوة العسكرية قوتهم في تعزيز مصالحهم الاقتصادية والتي تتخطى نتائج السوق الحرة، وقد أدت الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب إلى زيادة هذا الاتجاه.
- تتضمن استيعاب الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات المعرفة المحلية وخاصةً في مجال النباتات الطبية والمنتجات الناتجة عنها، والتي تحصل على براءة اختراع وتُباع، مما يقلل من القيمة المحلية للمعرفة في البلدان النامية.
- ظهر في الأسواق المالية التداول الآجل الذي زاد الفجوة بين الدول الصناعية والدول النامية، ففي الفترة من عام 1990 إلى عام 1994، لم يبدأ الاقتصاد الكوري في الظهور بعد، وحققت الأسواق الناشئة عوائد بنسبة 117٪ لرأس المال المستثمر، بينما خسر المستثمرون الأميركيون حوالي 2٪ من استثماراتهم في أسواق الدول الصناعية. وانخفضت أسهم السوق بنسبة 27٪ بين عامي 1995 و 2000 في الأسواق المتقدمة وازدادت بنسبة 43٪ بشكل رئيسي في أسهم التكنولوجيا والأسواق الناشئة، ويشار إلى هذا بـ”اقتصاديات النمور” التي حققت أرباحا عالية في أوائل التسعينيات بسبب التصنيع الناجح.
الفجوة المعرفية في الواقع المعاصر
نجد أن النداءات تزايدت في السنوات الأخيرة التي طالبت في ضرورة الاهتمام بالتعليم وجودته وفي جميع المراحل، حيث أنه تم اعتباره مصدر الطاقة البشرية وهو المكون الفعال لرأس المال الاجتماعي والفكري بالإضافة إلى أنه رأس المال البشري والثقافي للفرد، وإن من خلال الكفاءات والكواد العلمية يستطيع المجتمع أن يلج إلى مجتمع المعرفة بنجاح.
تشهد العالم اليوم نموا اقتصاديا فريدا من نوعه، حيث يعود هذا النمو إلى النمو السريع في التكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى التطور الهائل في البحوث العلمية والابتكارات. وقد أدى ذلك إلى ظهور العديد من البلدان بشكل متميز في الساحة العالمية، حيث تقدمت العديد من الدول مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية والسويد والصين وغيرها.
نجد أن هذا التطور والتميز أدى إلى ظهور فجوة معرفية بين العالم المتقدم والعالم النامي وخاصة بين الدول العربية، فعلى الرغم من وضعها لاستراتيجيات طموحة خاصة بالعلوم والتكنولوجيا بالإضافة للبحث العلمي للحاق بالركب إلا أنها ما زالت بعيدة جداً عن مؤشرات التقدم والتطور في المعرفة.