الحضارة المصرية القديمة هي إحدى أقدم الحضارات في التاريخ، وتركت تراثا غنيا من الآثار والعلوم والفنون، لا يزال العديد منها يشكل لغزا للعلماء الذين لم يتمكنوا من فهم كيفية تحقيقها أو اكتشافها، بما في ذلك عملية التحنيط. وفي مجال الفنون، توجد لوحات وتماثيل ورسوم ونقوش على جدران المعابد والقصور وحتى في القبور تدل على براعتهم ومهاراتهم التي لا تضاهى.
العوامل المؤثرة في الفن المصري القديم
هناك الكثير من العوامل التي أثرت على الفن المصري في الحضارة الفرعونية القديمة، ومنها نهر النيل والصيد والزراعة والسماء والحيوانات بالإضافة للمعتقدات الدينية والمملكتين السفلى في الشمال والعليا في الجنوب، واعتمدت الفنون في الحضارة المصيرية القديمة على استخدام الرموز بشكل عام سواء في الرسم أو النحت بشكل سخي إما لإخفاء رسالة معينة أو إرسال رسالة بعينها، واستخدم في ذلك اللغة الهيروغليفية أو الرسوم المختلفة.
ومن أهم العوامل التي أثرت على الفنون المصرية كان التأثير الديني الذي استمر لمدة تقارب ثلاثة آلاف عام، حيث كان الدين يشكل جزءا رئيسيا من حياة القدماء المصريين اليومية وتطور بشكل كبير حتى أصبح من الضروري إنشاء كتب لشرح الرموز الفنية المختلفة التي استخدمت للإشارة إلى الآلهة. وقد تم استخدام الرموز للإشارة إلى الملوك بأنهم آلهة حتى بعد وفاتهم، واستخدمت رموز جديدة للإشارة إليهم بأنهم آلهة مولودة جديدة.
العوامل الطبيعية
يمكن وصف ما تركه المصريون القدماء من فنون بأنه يعكس مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه الطبيعة الساحرة المحيطة بهم، وكما يحدث لأي أمة تتأثر بالطبيعة والبيئة المحيطة بها، كان المصريون القدماء يسعون للجمال في الأرض والسماء ويعبرون عن ذلك عبر رسوم ونقوش على جدران معابدهم ومنازلهم وقصورهم وقبورهم وغيرها، وأحد الأمثلة على تأثير الطبيعة على الفن المصري القديم
- تأثر المصريون القدماء بأشعة الشمس المشرقة الذهبية الساحرة الخلابة، وبنهر النيل الأزرق اللامع الذي ينعكس على صفحته السماء الصافية الزرقاء، وبالحقول الخضراء الرائعة المنتشرة على ضفتيه، بالإضافة للصحراء اللامعة الصفراء من حولهم والجبال والوديان، كل تلك المظاهر الطبيعية الخلابة دفعتهم لتجسيد ما لمسوه من جمال على جدران المعابد وأوراق البردي والمقابر وأي مساحة كانت تتوفر أمامهم فلم يتركوها دون أن يملؤها بالرسومات الزاهية.
- من جملة العوامل الطبيعية التي ساعدت الفنانين المصريين القدماء على التميز في فنونهم، كانت توافر الخامات الطبيعية المميزة في الطبيعة المصرية، والتي تميزت بسهولة نحتها ونقشها، مثل الأحجار، وكذلك طمي النيل الذي استُخدم في صناعة المنازل والأواني الفخارية.
العوامل الثقافية
تأثر المصريون القدماء بمجموعة من العوامل الثقافية التي أثرت بوضوح على فنونهم. ومن بين أبرز هذه العوامل التأثير باللغة الهيروغليفية، التي تتألف من مجموعة من الرموز النباتية والطبيعية والحيوانية والأشكال الهندسية المختلفة.
إن الرسوم التي توجد على جدران المعابد وعلى أوراق البردي التي تركوها، تحتوي على العديد من الرموز الآدمية والحيوانية والنباتية، وكل رمز منها يرمز إلى شيء محدد يتجسد في النهاية كصورة فنية متكاملة، سواء من خلال الرسالة التي تحملها أو الصورة الفنية الجميلة التي تمثلها.
العوامل الاجتماعية
أثرت العوامل الاجتماعية كذلك على الفن المصري القديم فقد تمتع المصريون القدماء بفترات طويلة من الاستقرار، ونعمت بسنوات هادئة بعيداً عن الصراعات والحروب التي انشغلت بها بعض الحضارات القديمة، وهذا الأمر انعكس على تمتعهم بحياة هادئة جعلتهم متفرغين بشكل أكبر للإبداع والابتكار، فقد مثلت الأسطح المختلفة بالنسبة إليهم مساحات مختلفة للرسم والنقش سواء كانت أسطح جدران المعابد والمنازل أو أوراق البردي أو الأحجار والصخور الضخمة.
تأثرت الفنون المصرية القديمة أيضا بالوضع الاجتماعي لأفراد المجتمع. فكلما كان الفنان من الطبقة الراقية ومن عائلة ثرية، زادت جودة ودقة الفنون والرسوم التي ينتجها. وكلما كانت اللوحات والتماثيل أكبر حجما ومصنوعة من مواد عالية الجودة. أما الفنانون من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة، فتكون لوحاتهم وتماثيلهم صغيرة الحجم وجودتها منخفضة من حيث الشكل والمواد المستخدمة في صناعتها.
أحد العوامل التي أثرت على فنون المصريين القدماء هو انفتاحهم على الحضارات والثقافات المجاورة لهم، والتي سمحت لهم بالتعرف على أشكال جديدة من الفنون وأثرت على الفنون المصرية وساعدت على تطورها.
العوامل الاقتصادية
تتأثر الظروف الاقتصادية لأي دولة بالظروف السياسية السائدة بها فإن كانت الحالة السياسية مستقرة ازدهرت الحالة الاقتصادية والعكس، وكانت مصر القديمة تتمتع بظروف اقتصادية مزدهرة في ذلك الوقت انعكست من تمتعها بحالة من الهدوء والاستقرار، فتمتعت بمصادر دخل متنوعة مثل امتلاكها عدد من مناجم الذهب وازدهار الزراعة وبراعتهم في الغزل والنسيج وصناعة الزجاج.
كل ذلك أدى إلى استثراء مصر القديمة وتجلى ذلك في الفنون التي تمتعت بدقة وجودة لا تضاهى ومثالية رائعة، حيث تأثرت بغنوص الأرض ووفرة المحاصيل وثرواتها الطبيعية وسخاء رزق الناس، وهذه العوامل أدت إلى اهتمام الشعب المصري القديم بالفن وتقديره ومنحه مكانة خاصة واهتماما بالغا. ولم يكن الفن مقتصرا في تلك الفترة على فئة معينة في المجتمع، بل كان الجميع يهتم بمختلف أنواع الفنون مثل الرسم والنحت وغيرها. لذلك، نجد أن الفنون المصرية تدهورت في العصور المتأخرة وتميزت بجودتها المنخفضة وعدم دقة تفاصيلها نتيجة طبيعية لانخراطها في الصراعات المختلفة التي أدت إلى تدهور الحالة الاقتصادية وتشتيت الفنانين.
العوامل الدينية
من أحد الأسباب البارزة التي أثرت على الفنون المصرية القديمة هي العوامل الدينية، فقد تأثر المصريون القدماء بشدة بالآلهة وكان لها دور كبير في كل جانب من جوانب حياتهم اليومية. ولذلك، كانت جدران المعابدهم تشبه صفحات كتب تجسد عليها طقوسهم الدينية المختلفة ورسوم العبادات المختلفة التي كانوا يمارسونها، وذلك كتعبير عن امتنانهم للآلهة وحتى لا تنقطع خدماتها عنهم.
تفسر النقوش الموجودة على جدران المعابد والقبور على هيئة أشكال طبيعية وصور لحيوانات، بأن المصريين القدماء كانوا يعبدون الطبيعة ويجسدون صور آلهتهم برموز حيوانية، حيث كل رمز يحمل دلالة وقوة معينة.
أيضاً اعتناء المصريين القدماء بالجانب الديني دفعهم لتطوير فنون الرسم والنقش على جدران المعابد فبعض المعابد لم تمكن أشعة الشمس تصل إليها بشكل جيد بالتالي لم تكن النقوش والرسم تبدو زاهية وواضحة ومن هنا بدئوا في استخدام التلوين بإضافة ألوان زاهية للنقوش والرسوم حتى تظهر لامعة وواضحة.
تأثر المصريون القدماء بالدوافع الدينية والاعتقاد بالبعث بعد الموت والخلود، مما دفعهم للاهتمام بشكل خاص بالقبور ونحتها ورسمها بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى صناعة تماثيل مختلفة تشبه المتوفى لتمكين روحه من التعرف عليها والعودة إليها من جديد.
أيضاً بعض المدارس الدينية دعت للتجديد وأثر ذلك على شكل الفنون كثيراً ومنها المدرسة الآتونية التي دعا من خلالها الملك أخناتون إلى تجسيد الإنسان في صورته الحقيقية، وفي الواقع كانت هذه العقيدة واحدة من أكثر العقائد التي أثرت على الفن المصرية القديمة وساعدت على تطويرها كثيراً.