ادب

الظواهر الفنية في شعر الصعاليك

من هم الصعاليك

الصعاليك هم مجموعة من الناس في العصر الجاهلي، تم طردهم من القبيلة بسبب سلوكياتهم وأفعالهم التي لا تتناسب مع القبيلة التي كانوا ينتمون إليها. وكانت قبائل حاجز الأزردي وقيس الحدادية من بين القبائل التي لا تتفق مع سلوكيات الصعاليك. ويعني مصطلح “الصعلكة” بالضبط شدة الفقر التي جعلت الشخص يلجأ إلى السرقة والنهب.

الظواهر الفنية لشعر الصعاليك

تقسيم الشعر إلى مقطوعات

كان الصعاليك غير متفرغين لكتابة الشعر بسبب صعوبة الحياة وكثرة الحروب ،  فكان الشعر يغلب عليه روح المقطوعات أكثر من روح القصيدة ولكن ذلك لم يؤثر في جودة شعرهم ، ومن أشهر الأمثلة هو الشاعر زهير بن أبي سلمى استمر في كتابة قصيدته لمدة عام كامل ، وكانت معظم قصائده كتبت في أوقات الفراغ في العصر الجاهلي.

الوحدة الموضوعية

تتميز شعر الصعاليك بوضوحه وموضوعيته، حيث لا تحتوي على مقدمة طويلة ولكنه يناقش الموضوع بشكل واضح، ويعد الشعر واحدا من الصفات الرئيسية للعصر الجاهلي

عدم احتواء القصائد على مقدمات الطللية 

تختلف بدايات شعر الصعاليك عن الشعر الجاهلي، حيث استبدلوا هذه المقدمات الطللية وجعلوا المرأة التي تحافظ على حياة حبيبها هي المحور الأساسي في مقدمات القصائد، وكانت هذه الظاهرة من أبرز الظواهر في شعر الصعاليك.

عدم الحرص على التصريع

كانت جميع قصائد الصعاليك تتميز بسمة أساسية وهي عدم التصريع، وهذه السمة كانت غير مقصودة ولكن توارثت في أسر الصعاليك، وكان التصريع نادرًا جدًا.

التحلل من الشخصية القبلية

يرى الصعاليك أن الفرد هو المسؤول الأساسي عن إنجاز كل شيء، ولذلك كانوا يعتذرون باسم الفرد وليس باسم المجموعة. كان هذا المبدأ يؤثر على الظواهر الفنية، وجعل الشعر يفتقر إلى روح الجماعة والقبيلة، وبالتالي أصبح الشعر الصعلوكي مميزا عن غيره في العصر الجاهلي. ومع ذلك، كان الصعاليك يحاولون دائما إثبات هويتهم، كما قال الشاعر الصعلوكي: “لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ …. سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل

القصصية

كان شعراء الصعاليك يسجلون كل ما يحدث لهم في حياتهم من أحداث مميزة ومغامرات فردية وجماعية، ويصفون المعارك والأحاديث الفريدة التي استمرت لفترات طويلة، وكانت هذه الخاصية هي واحدة من أشهر خصائص شعر الصعاليك التي جعلته يتميز بالقصصية وتشويق القارئ لمعرفة نهاية القصة

الواقعية

كان الصعاليك يعبرون في شعرهم عن الأحداث اليومية التي تحدث في حياتهم، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وكانوا يتحدثون عن بيئتهم البدوية والصحراوية والتحديات القاسية التي كانوا يواجهونها. ثم يحول الشاعر هذه الحقيقة إلى خيال جميل يصفه في قصائده. ويتميز الشعر أيضا بتصوير كل جمال الطبيعة، من المياه الجارية إلى السماء الشاهقة والقمر المضيء الذي ينير الليالي المظلمة، كما يقول الشنفرى

وَيومٍ مِنَ الشِّعْرَى يَذُوبُ لُعَابُهُ 

أفاعِيهِ في رَمْضائِهِ تَتَمَلْمَلُ 

نَصَبْتُ له وَجْهي ولا كِنَّ دُونَهُ 

ولا سِتْرَ إلاَّ الأتْحَمِيُّ المُرَعْبَل 

السرعة الفنية

يتميز الشعر الصعلوكي بسرعة فنيته التي تشبه حياتهم السريعة وحروبهم ضد أعدائهم والتي تنتهي بسرعة لتحقيق هدفهم. لذلك انتشرت الأشعار القصيرة التي لا تحتوي على مقدمات غزلية، وهذا واضح في شعر الشنفرى

أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ 

فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ 

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ 

وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ

الخصائص الأسلوبية عند الصعاليك

  • تميزت الشعر الصعلوكي بجماله وسهولته، حيث استخدم الشعراء الأدوات الشرطية مثل `لو حتى` لتجنب التكرار في الشعر. كما استخدم الشعراء الصعاليك هياكل صرفية متنوعة لإضفاء روح الحياة على أبيات الشعر، وكانت هذه إحدى الخصائص اللغوية للشعر الجاهلي
  • يتميّز اللغة العربية بتنوع الجمل الاسميّة والجمل الفعليّة واستخدام التراكيب اللغوية والأدوات النحويّة بشكل واسع.
  • يتميز أسلوبُ الشعراء بالنمط المؤثر والإيقاعي، وكثيرًا ما يتم استخدامُ الجمل التي بها خبر شبه جملةٍ، مما يظهر الأسلوبَ البلاغي الذي يهتم بالتأثير.
  • يتميز الشعر الصعلوكي بالاستخدام الجميل للجمل الخيالية التي يستمدونها من حياتهم، كما يتميز أسلوبهم بالإبداع الفني الذي يأتي من التركيز على التركيب والتحليل.
  • تم استخدم الوصف بشكل كبير في شعر الصعاليك ،   فقال الشعار: تُلف الحوايا حول الخيوط الحاملة كما تُلف خيوط ماري التي تتشابك.

الوصف عند شعراء الصعاليك 

كان الشعراء الصعاليك يستمدون شعرهم من الطبيعة ويصفونها بأسلوب رائع، وكان الوصف هو واحد من أهم الموضوعات التي يهتمون بها، ومن بين الموضوعات التي استخدموها بكثرة في الوصف هي:

وصف الإبل

كانت الإبل هي الصديق والمساعد الأفضل في الصحراء العربية، حيث كانت تساعد العرب القدماء على العيش، وكان الشاعر يصف الإبل بأنها “جبال شاهقة وقصور جميلة تخطف الأنظار”، وقال الشاعر: “كأن وغاهاحجرتيه وحولها 

أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ 

تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيْهِ فَضَمَّهَا 

كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ 

فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها 

مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ 

وصف السلاح

زاد استخدام السلاح في الغزوات والنهب والسرقات، مما جعل السلاح يحظى بأهمية كبيرة، وقد وصف الشاعر الصعلوكي السلاح في العديد من أشعاره المميزة.

وصف الأسد 

كان الصعاليك يصفون الأسد ويقارنونه بأعدائهم الذين يرغبون في القضاء عليهم.

وصف الكلاب 

استخدم العرب في العصر الجاهلي الكلاب بشكل كبير في الصيد وحراسة البيوت وغيرها، وتجلى ذلك في شعرهم حيث وصف العديد من الشعراء الكلاب، كما قال الشاعر:

عندما يكتم الناس خيرهم، تفقد كلابهم صوابها… وتنشغل بزجر الضيف الغريب.

أنا جبان مثل كلبي الذي يبقى في بيته … ولكنني شجاع عندما يحتاج ضميري

ومع ذلك، فإن كلابي قد أدركت وتعهدت… وقليل هو الذي يتعرض لخداعها.

وصف النجوم 

استخدم الصعاليك النجوم في الصحراء للوصول إلى أهدافهم في الظلام، وقال الشاعر:

وَعاذِلَةٍ هَبَّت بِلَيلٍ تَلومُني

وَقَد غابَ عَيّوقُ الثُرَيّا فَعَرَّدا

تَلومُ عَلى إِعطائِيَ المالَ ضِلَّةً

إِذا ضَنَّ بِالمالِ البَخيلُ وَصَرَّدا

تَقولُ أَلا أَمسِك عَلَيكَ فَإِنَّني

أَرى المالَ عِندَ المُمسِكينَ مُعَبَّدا

ذَريني وَحالي إِنَّ مالَكِ وافِرٌ

وَكُلُّ اِمرِئٍ جارٍ عَلى ما تَعَوَّدا

أَعاذِلَ لا آلوكِ إِلّا خَليقَتي

وصف المرأة 

اشتهر الشعر الصعلوكي بوصف المرأة وجمالها، وكان دائما يفتتح الشاعر أشعاره بوصف المرأة وإحساسها، ولكن كانوا دائما يحافظون على القيم الأخلاقية في الشعر الجاهلي، مثل قول الشاعر

رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ

بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ

مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ

مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ

فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني

أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ

خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت

أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ

وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ

قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ

وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ

وصف الذئب 

 كان الشعراء في العصر الجاهلي يحبون وصف الحيوانات والتشبه بها، فقال الشنفري وهو أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي:

يصبح الطاؤوس غدًا طائرًا يعارض الريح ويتألق بذيله الطويل ويتغذى على الرحيق

فَلَما لَوَاهُ  القُـوتُ  مِنْ  حَيْـثُ  أَمَّـهُ…. دَعَـا  فَأجَابَتْـهُ   نَظَائِـرُ   نُحَّـلُ

مُهَلَّلَـةٌ   شِيـبُ   الوُجُـوهِ  كأنَّـها…. قِـدَاحٌ  بأيـدي  ياسِـرٍ  تَتَقَلْقَـلُ

اختر له خشرمًا مبعوثًا، يحثث دبره، محابيض أرداهنّ سام معسّل

مهَرَّتَـةٌ   فُـوهٌ   كَـأَنَّ    شُدُوقَـها … شُقُوقُ العِصِـيِّ كَالِحَـاتٌ وَبُسَّـلُ

فاضجت البراح كأنها … وعليها يصيح نوح فوق ذروة الجبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى