الصّحابي حذيفة بن اليمان..أمين سرّ النبي عليه السلام
نسبه وإسلامه: حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي هو الصحابي وكنيته أبو عبدالله، وكان من أعيان المهاجرين، وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبوه اليمان، الملقب بـ”حسل” أو “الحسيل” بن جابر العبسي، سمي أبوه هكذا لأنه أصاب رجلا في قومه فهرب إلى المدينة المنورة وتحالف مع الأنصار، وسمي باليمان لتحالفه مع اليمانية (الأنصار)، وهو وولداه أسلموا عند النبي صلى الله عليه وسلم.
فضله وصفاته:
السّماحة وسعة الصّدر: من كانت أخلاقه كريمة وسماحته عالية، فرضي الله عنه، لأنه شهد مع أبيه وأخيه في المعركة، وكان الرجال يتلثمون في الحرب ولا يعرف الرجل من يقتل ومن يؤمن، وقد يقتل الرجل أخاه دون أن يعلم. وإذا حدث ذلك، فقد أخطأ أحد المسلمين المقاتلين وقتل أبا حذيفة سيدنا الحسل بن جابر. فلما رأى ابنه حذيفة بن اليمان الأمر صار يبكي ويصرخ في قتلته وأصيب قلبه بالهم، ولكنه رغم ذلك رضي الله، وقال للمسلمين الذين حوله وكانوا مكتئبين: “يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين”. واستأنفوا الحرب بعد ذلك، وعندما انتهت الحرب، وصل الخبر إلى النبي عليه السلام، فأمر لحذيفة بأن يتقبل الدية التي قدمها القاتل، وتصدق بها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ولم يأخذها لنفسه.
أمين السرّ: ولُقِّب حذيفة بن اليمان في المآثر بأمين سرّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام. ففي غزوة الخندق، لقيَ المشركين من أمر الله بالفرقة والفشل والبرد والفزع ما لقيوا. فلمّا كان ذلك أمر النّبيّ عليه السّلام حذيفة بن اليمان وقال: “اذهب وادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تُحدِثَنّ شيئًا حتّى تأتينا”.
انصاع حذيفة لأمر النّبيّ عليه السّلام من فوره، وتسلّل لفريق الكافرين وقد أصابتهم ريحٌ شديدة لا تُبقي لهم نارًا ولا قدرًا ولا تمسك لهم بناءًا. وهناك قال أبو سفيان: ” يا معشر قريش، فلينظر كل امريءٍ منكم مَن يجالس”. وهناك قام حذيفة بواجبه على أكمل وجه وأتمّ مهمّته في الاستتار ومسك يد من يجلس بجواره وسأله عمّن هو وعرّف بنفسه. ثم أخبر أبو سفيان معشر قريش استحالة إستمرار مقامهم لما يصيبهم وبأنّه مرتحل، فليرتحلوا معه وركب جمله وتبعه القوم.
يقول حذيفة إنه عندما كان كذلك، كاد ينتزع سهمه ويقتله به، لولا عهد النبي عليه السلام له بعدم التحدث أو التوقيع على أي شيء يثير الشكوك حتى يعود إليهم، وعاد بالفعل إلى النبي بسرعة وبشرهم بذلك.
التّقوى والورع: كان رضي الله عنه يرى أن الخير الذي يطلبه الناس دومًا هو الواضح والسهل التحقق منه، وأما الشر والظلم فهو ما يجب أن يخشاه الإنسان بسبب خوفه من فتن الدنيا وجلّه.
فعمّا نُقِل عنه قوله: الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكان الراوي يسأله عن الشر خوفًا من أن يصيبه، ودار بينهما حوار يتعلق بذلك
قال: يا رسول الله، كنا في الجاهلية والشر، ثم أتانا الله بهذا الخير، فهل بعد ذلك يأتي شر؟
قال النّبيّ: سألوا: هل يوجد خير بعد هذا الشر؟ فأجاب النبي: نعم، فيه دخن.
قال حذيفة: وماذا قال عليه السلام؟ قال: `قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر`
قال: فهل بعد ذلك يأتي الخير من الشر؟” قال: “نعم، هناك دعاة على أبواب جهنم، ومن أجابهم دعوتهم ألقوا فيها
قال: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟، قال عليه السلام: “تلزم جماعة المسلمين وإمامه
قال: فإذا لم يكن لهم جماعة أو إمام، قال: “عليهم أن يعتزلوا تلك الفرق كلها، حتى لو عضوا على أصل شجرة حتى يأتيهم الموت وهم على ذلك.
الصّدق: أفضل ما في هذه الشيمة هي شهادة النبي عليه الصلاة والسلام عن حذيفة بأنه صادق، وقد قال الرسول يوما: `إذا استخلفتموني وعصيتم خليفتي، فأنتم تعذبونه، ولكم ما حدثكم به حذيفة فصدقوه، ولكم ما يقرأ لكم عبد الله بن مسعود فاقرؤوا له.`.
حكمته وسعة ذكائه: كان لحذيفة بن اليمان قلبًا تائبًا يشعر بقدرة الله وعظم ذنوبه وصغائرها، وفي يوم من الأيام جاء إلى النبي يستغيث به ويقول: “يا رسول الله، إن لي لسانًا حادًا يتكلم بالغيبة عن أهلي، وأخشى أن يدخلني النار
فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بما أصبح قاعدة عظيمة في هذا الدين لكل من شق عليه ذنوبه بألا ييأس منها، وقال: `فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة`.
يتميز حذيفة بن اليمان بقلبٍ وعقلٍ عالم ولسانٍ يتمتع بالبلاغة والفصاحة وحسن التعبير، وقد قال: `ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا، بل الذين يأخذون من هذه ومن هذه`، وهذا يدل على حكمته وفطنته في النظر إلى الحياة والدنيا والآخرة
وفاته: توفي بعد مرور أربعين يوما على مقتل سيدنا عثمان في العام 36 هجريا.