الصّحابيّ الدّاهية الجوّاد ” قيس بن سعد بن عبادة “
نسبه وسيرته: هو الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الساعدي، وهو ابن الصحابي الكريم سعد بن عبادة. يعود نسب قيس بن سعد إلى أشرف بيوت العرب وأعرقها. كان طويلا وجميلا للغاية – أي لا ينبت في وجهه شعر – حتى كان العرب يقولون: “لو استطعنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا، لفعلنا”. كان يعامل كالسيد في قومه منذ صغره، وهذا ما أشكل شخصيته القيادية الحليمة ورسخ فيه صفة الكرم والشجاعة
رث سيدنا قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه الكرم والسخاء والعطاء من جدوده، حيث كان قومه يمتلكون مناديا يدعو فيه إلى تناول الطعام، أو يوقدون النار مساء ليضيئوا السائرين الغرباء. وقيل في الناس: “من يحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة” وهو جد قيس الثاني. وكان أبوه سعد بن عبادة رضي الله عنه يستقبل المهاجرين بأعداد كبيرة، فكان يأتي بثمانين مهاجرا في كل مرة.
صفاته:
حدّة الذكاء وسعة الحيلة: لولا الإسلام، لمكر العرب مكرا لا يطاق
كان سيدنا قيس بن سعد رضي الله عنه يعتبر من دواهي العرب، وكان أهل المدينة ومناطقها يحترمون ذكائه ودهائه ومكره، وكان يحسب عليه الناس ويتحرى عدم الوقوع فريسة له.
وعندما دخل قيس في الإسلام، هذّبه ذلك الدّين وحدّ من مكره، وعلّمه كيف يُخلص ويُكرم ويُحسن إلى النّاس ويعاملهم بالحسنة قبل السّيئة، وبهذا تخلّى عن مكره ومناوراته ونحّاها جانبًا. وكان رضي الله عنه كلّما تعرّض لموقفٍ ما يحتاج إلى مكرٍ وخديعة، أخذه الحنين إلى حاله قبل الإسلام وقال: “لولا الإسلام، لمكرت مكرًا لا تُطيقهُ العرب.”
الكرم والجود والعطاء: نظرا لتربيته الكريمة في قبيلة قيس بن سعد، والتي أعطته طابعا من السخاء والمعطاء، كان يشيد به المثل. يقال إنه عندما كان يسافر مع النبي عليه السلام، كان يطعم الناس ويشبعهم، وإذا نفد ما لديه من طعام، كان يستعير ثم ينادي الناس: “هلموا إلى اللحم والثريد
كما حدث عندما حضرت امرأة عجوز تشكو من قلة ذات يديها ومهارتها، فقال لخدمه: `اذهبوا واملؤوا بيتها بالخبز والسمنة والتمر`.
قد ربح قيس بن سعد مبلغًا قدره تسعين ألفًا من بعض تجارته، فأمر بإعلان في المدينة المنورة مفاده أنه إذا كان أي شخص يرغب في طلب قرض منه، فليأتي إليه وسيتم دفع المبلغ له، وعندها جاء إليه العديد من الناس ودفع لهم أربعين ألفًا، وتصدق بالمبلغ المتبقي على الفقراء والمحتاجين.
وذات مرّة، أصابه مرضٌ أقعده بيته، فقلّ زوّاره وعوّاده، فسأل زوجته عن السّبب فقالت: إنّهم يستحون منك لأجل دينك. فأمر رضي الله عنه أن يُنادى في النّاس أنّه من كان له دينٌ عند قيس بن سعد فهو له. فأقبل النّاس بعدها يعودونه ويزورونه حتّى أنّهم من كثرتهم وتكرار عيادتهم لهم كسروا درجةً من درجات منزله يصعدون عليه إليه.
وهو القائل: اللهم ارزقني مالًا وفعالًا، فإنه لا يمكن تحقيق الفعالية إلا بالمال.
اقترض “كثير بن الصلت” منه دينًا بلغ ثلاثين ألفًا ومنحه إياه. وعندما أراد “كثير” إعادة المبلغ إلى “قيس” رفض وقال: `لا نعود في شيء أعطيناه`
شهادة النّبيّ عليه السّلام فيه: شهد النبي عليه الصلاة والسلام لجوادية قريش بأنها كريمة، فعندما تعرضوا للجوع والعطش في غزوة سيف البحر، ونفدت مؤنتهم، قام قيس بن سعد بتضحية ثلاثة جمال ليعيد المال المستدان من جاره، ثم ذبح ثلاثة أخرى على نفس الوعد، وبعد ذلك رزقهم الله بحوت كبير أكلوا منه ثمانية عشر يوما، وعندما تحدثوا للنبي عليه السلام عن هذه التجربة، أشار إلى جودة قيس بن سعد
منزلته عند النبيّ عليه السّلام: كان قيس، رضي الله عنه، رفيقا ملازما للنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى يقال إنه كان عنده في مكان الشخص المكلف بحماية الأمير. شهد مع النبي، صلى الله عليه وسلم، عدة غزوات، وكان حاملا لراية الأنصار مع رسول الله. وفي يوم فتح مكة، استلم النبي راية المسلمين من سعد بن عبادة، وأعطاها لابنه قيس بن سعد بن عبادة نظرا لبطولته وشجاعته وتفانيه
روى الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أيضًا جماعة من الصحابة والتابعين.
وفاته: توفي في آخر عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان