الشعر في العصر الاموي
يعتبر العصر الأموي من أهم الفترات التي شهدت ازدهار الأدب العربي بشكل عام، ويتضح ذلك في الشعر الذي ورثه هذا العصر والذي كان في أوج تطوره. وقد تأثر الشعر في هذه الفترة بعدة عوامل، مثل خروجه من بيئة شبه الجزيرة العربية ليشمل بيئات ومناطق أخرى، ولا سيما بلاد العراق والشام ومصر والمغرب والأندلس. وظهر هذا التأثر في جميع الجوانب الفكرية والاجتماعية والأدبية، وشهد عصر الأمويين ظهور ما يعرف بالموالي، وهم طبقة من الشعراء والكتاب. وكان الخلفاء الأمويون يفتحون قصورهم لاستقبال هؤلاء الشعراء. وسنتعرف على المزيد عن الشعر في العصر الأموي بشكل خاص في الأسطر القادمة .
خصائص الشعر في العصر الأموي
اختلفت حالة الشعراء في العصر الأموي عن عصر الجاهلية أو ظهور وانتشار الإسلام، ويتضح ذلك بوضوح في قصائدهم التي سنتعرف على خصائصها الخاصة، وهي كالتالي:
- خلو الشعر من الكلام البذيء : يتميز الشعر الأموي بقربه من الشعر الجاهلي، واتباع شعراء الجاهلية في خصائص أشعارهم من حيث البلاغة في التعبير، وعدم استخدام ألفاظ أجنبية في مفرداتهم، والابتعاد عن الأسلوب الركيك والكلام الغريب، ويعد من أفضل العصور في هذا الشأن .
- التشبيب: المقصود هو ذكر الحبيبة في الشعر، وقد ذُكِرت الحبيبة في العديد من الأشعار التي كتبها الشعراء عن حبيباتهم، وكان هذا النوعمن الشعر غير منتشر بشكل كبير في العصر الجاهلي، ولكنه أصبح شائعًا بشكل كبير في العصر الأموي، حيث يتحدث الشعراء بكثرة عن أعراض وأحوال الحب ويصفونه بتفنن .
- الهجاء بين الشعراء : في العصر الجاهلي، كان الشعراء يعتزون بأصلهم وقبيلتهم، ويذكرون الفضائل مثل الشجاعة والعزة ومكانة قبيلتهم. كانوا نادرا ما يلجؤون إلى الانتقام الشعري، ولكن في العصر الأموي زادت قصائد الانتقام، حتى وضعت قصائد تهاجم فيها الشعراء بعضهم البعض، ومن هذه القصائد شعر النقائض الموجود في كتاب ضخم .
- ظهور الموالي ونبوغهم في الشعر : الموالي يشير إلى المسلمين غير العرب، مثل الروم والفرس الذين أسلموا خلال الفتح الإسلامي، وكانوا من موالي قريش وبني أسد. كان شعرهم يتميز بأسلوب الشعر الجاهلي، ولولا ذلك لكانوا قد أدخلوا معان أخرى من لغاتهم الأعجمية .
- شعر المديح والشعر السياسي : كان شعر المديح يستخدم في العصر الأموي كوسيلة للاستجداء، على الرغم من وجود شعر المديح في العصر الجاهلي، إلا أنه كان من النادر أن يستجد الشاعر من الشخص الذي يمدحه، بالمقارنة مع الشعراء في العصر الأموي الذين كانوا ينظمون الشعر للاستجداء من الخلفاء في بلاطهم، لكي يحصلوا على الأموال والهدايا .
- وصف الخمر : اشتهر شعراء العصر العباسي بوصفهم للخمر، ولكن وصف الخمر انتشر في نهاية الدولة الأموية نتيجة لانغماس الخلفاء الأمويين في اللهو وحياة الترف والبذخ خلال هذه الفترة. من بين الشعراء الذين ابتكروا وصف الخمر كان الخليفة الوليد بن يزيد، وذكرت في شعر الأعشى والأخطل وعدي بن زيد .
أغراض الشعر الأموي
تميز العصر الأموي بتواجد العديد من الأشعار المتنوعة، وكذلك ظهور أشعار جديدة. ومن يدرس هذا العصر يلاحظ انتشار الرفاهية والبذخ نتيجة توسعة الدولة الإسلامية واستقرار الأوضاع للناس الذين يعيشون في الأراضي الإسلامية التي تمت فتحها. ويمكن رؤية آثار ذلك بوضوح في الشعر ومضمونه. وسنستعرض عددا من الأشعار التي ظهرت في هذا العصر، وهي على النحو التالي
- شعر المديح : انتشر شعر المديح بهدف الحصول على الهبات والعطايا، أو لطلب الصفح من الحاكم. ولم يقتصر ذلك على الحكام وحدهم، بل شمل أيضا من ينوب عنهم في أي منصب، مثل النواب والوزراء والقادة .
- شعر الهجاء : زاد استخدام شعر الهجاء في العصر الأموي بسبب تأثير العصبية القبلية المتزايدة، وتعدد الأحزاب الإسلامية وانقسامها، وتعدد الفرق. ويعتمد شعر الهجاء على ذكر الرذائل .
- شعر الغزل : انتشر استخدام الشعر العذري في العصر الأموي، وكان قيس بن الملوح وعمر بن أبي ربيعة من أشهر الشعراء الذين برزوا في هذا النوع من الشعر .
- شعر الزهد : يهتم الغرض الشعري بدعوة الناس للعمل الصالح وتقوى الله عز وجل، ويمكن العثور على هذا الغرض بشكل كبير في الشعر الأموي .
- شعر الطبيعة : أثرت الطبيعة الساحرة للبلاد التي فُتحت في العصر الأموي على شعراء تلك الفترة، وظهر ذلك في شعرهم الذي يتحدث عن مظاهر الجمال الطبيعية في تلك البلاد، من الأنهار والمدن وجمال الطبيعة، وأيضًا الطبيعة الصحراوية والنخيل والواحات في بلادهم الأصلية .
نماذج من الشعر في العصر الأموي
ما قاله عمر بن أبي ربيعة
صرمتْ حبلكَ البغومُ ، وصدتْ
يوجد، بلا شك، أسماء تتعلق بك
وَکلْغَواني إذا رأَيْنَكَ كَهْلًا
كانَ فيهنّ عن هواكَ التواء
حبذا أنتِ يا بغومُ وأسماءُ
وعِيصٌ يَكُنُّنا وَخَلاءُ
وَلَقَدْ قُلْتُ لَيْلَة الجَزْلِ لَمّا
أَخْضَلَتْ رَيْطَتي عَلَيَّ السَّماءُ
ما قاله الأخطل
أجريرُ إنّك والذي تَسْمو لَهُ
كأسيفَةٍ فَخَرتْ بحَدْجِ حَصانِ
حملتْ لربتها، فلما عوليتْ
نسلتْ تعارضها مع الأضغان
أتَعُدُّ مأثُرةً لغَيْرِكَ ذكْرُها
وسناؤها في غابرِ الأزمانِ
في دارِمٍ تاجُ المُلُوكِ وصِهْرُها
أيامَ يربوعٌ مع الرعيانِ
ما قاله الفرزدق
إذا لاقَى بَنُو مَرْوَانَ سَلّوا
لِدِينِ الله، أسْيَافًا غِضَابَا
صَوارِمَ تَمْنَعُ الإسْلامَ مِنْهُمْ
يُوَكَّلُ وقْعُهُنّ بِمَنْ أرَابَا
بِهِنّ لَقُوا بِمَكّةَ مُلْحِدِيها
وَمَسكِنَ يُحسِنونَ بها الضِّرَابَا
فَلَمْ يَتْرُكْنَ مِنَ أحَدٍ يُصَلّي
وَرَاءَ مُكَذِّبٍ إلاّ أنَابَا
ما قاله قيس بن الملوح
مُبَاكِرُ أمْ تَرُوحُ غدًا رَوَاحا
وَلَنْ يَسْطِيعَ مُرْتَهَنٌ بَرَاحَا
سقيمٌ لا يُصَابُ له دواءٌ
أصَابَ الُحبُّ مُقْتلَهُ فَنَاحَا
وعذَّبهُ الهوَى حتَّى بَرَاهُ
كَبَرْيِ القَيْنِ بالسَّفنِ القداحَا
فَكَاَد يُذِيقُهُ جُرَعَ المَنَايَا
وَلَوْ سَقّاهُ ذلِكَ لاسْتَرَاحَا
ما قاله جرير
لَوْلا ابنُ حَكّامِ وَأشْرَافَ قَوْمِهِ
لشقَّ على سعدْ بن قيسٍ حنينها
أما خفتني يا حنبُ إذْ بتَّ لاعبًا
و باتتْ لقاحي ما تجفُّ عيونها
فَيا جَنبُ قد أسلَفتَ في الحَزْنِ دِينة
عَسَتْ تُقتَضَى من أُمّ جَنبٍ ديونُهَا
وَأقْرَضْتَ قَرْضًا سوْفَ تُجزَى بمثْله
وحربتَ أسدًا ما يرامُ عرينها