علم النفسعلم وعلماء

الشخصية الظنونية في علم النفس

خضع السلوك البشري للدراسة من قبل العديد من العلماء على مدار السنوات الماضية ومنذ الأزل، في محاولة منهم لفك شفراته حتى يتمكنوا من تفسيره لوضع أسس يتعامل البشر مع بعضهم البعض وفقاً لها، وخلال هذه الدراسات تمكن العلماء من تصنيف عدد من اضطرابات الشخصية التي يمكن الاستدلال عليها من بعض السلوكيات، وواحد من هذه الاضطرابات هو اضطراب الشخصية الظنانية.

الشخصية الظنونية في علم النفس

الشك شعور طبيعي يعرفه جميع البشر ويختبره الجميع العديد من المرات يومياً، فمن الطبيعي أن تشعر بالشك تجاه بعض نوايا الأشخاص من حولك في بعض المواقف خاصةً إن كنت تعرفهم جيداً، لكن من غير الطبيعي أن تشك في كل تصرف صغير أو كبير يبدر ممن حولك من أشخاص سواء كانت تربطك بهم علاقات شخصية أو مهنية، وهنا يصبح الأمر اضطراب في الشخصية وليس مجرد سلوك ويطلق عليه في علم النفس “الشخصية الظنونية”

الشخصية المرتابة أو الشخصية الشكاكة أو الشخصية البارانويدية، هي مصطلحات تستخدم لوصف الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الظنونية، والذين يشعرون دائما بالشك وعدم الثقة تجاه الآخرين، ويعتقدون أن دوافعهم خبيثة أو مشبوهة.

من يعانون من اضطراب الشخصية الظنونية عادةً لا يتمتعون بعلاقات شخصية قوية وطويلة الأمد، وذلك لتعبيرهم عن شكوكهم تجاه الآخرين صراحةً إما بالجدال أو بالشكوى المباشرة أو الانسحاب من العلاقة، كما أنهم يتصرفون بنوع من الحرص الشديد والسرية التامة وقد تكون ردود أفعالهم في بعض الأحيان عنيفة تجاه الآخرين لحماية أنفسهم مما يظنونه حقيقة وهي محض أوهام.

يتعامل الأشخاص الذين يشعرون بالشك تجاه الآخرين بلا عواطف، ويرغبون في الاكتفاء الذاتي والاستقلال عن الآخرين، كما أنهم يحاولون فرض سيطرتهم على الآخرين، ويتلقون الانتقادات بشكل دائم ولا يتعاونون ولا يقبلون النقد بسهولة.

اضطرابات الشخصية من الأمور التي تنمو مع المرء منذ مرحلة مبكرة في حياته وعادة يمكن إرجاع بدايتها لمرحلة المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ، فهي عبارة عن نمط متكرر من السلوكيات نابع من داخل الفرد وخلفيته الثقافية، ووفقاً للجمعية الأمريكية لطب النفس فإن اضطراب الشخصية الظنونية أكثر انتشاراً بين الرجال من النساء.

أعراض اضطراب الشخصية الظنونية

يعاني الأفراد الذين يمتلكون شخصية ظنونية من اضطراب الشك غير المبرر تجاه الآخرين، حيث يعتقدون أنهم يحاولون الإيذاء أو التقليل من قيمتهم، ويمكن التعرف على سلوكيات الشخصية الظنونية من خلالها

  • الشك في من حولهم والنظر إليهم باعتبارهم غير جديرين بالثقة.
  • الاعتقاد المستمر بأن الآخرين يريدون خداعنا أو استغلالنا.
  • يميلون إلى عدم الكشف عن أي معلومات شخصية عن أنفسهم للآخرين خوفًا من استخدامها ضدهم.
  • تتسم الشخصيات الظنونية بعدم التسامح وعدم نسيان أصغر الأشياء التي ارتكبها الآخرون ضدهم.
  • يجب تجنب إساءة الظن في الآخرين حتى مع الكلمات العابرة أو النظرات البريئة.
  • يعتقدون دائما أنهم على حق وأنهم لا يسببون أي مشكلات للآخرين.
  • يتفسر كلام الآخرين على أنه هجوم على شخصيته، ويفسر الكلام بطريقة لا يمكن لأي شخص آخر فهمها.
  • يشكون دائمًا بدون سبب من شريك حياتهم ويعتبرونه غير مخلص لهم.
  • يعانون من صعوبة شديدة في الاسترخاء أو الحصول على بعض الهدوء.

تعد الاضطرابات الشخصية أنماط سلوكية يتبعها الفرد لفترة طويلة، ومن غير المألوف تشخيص الأطفال والمراهقين بها لأنهم لا يزالون في مرحلة النضج ويتعرضون للتغييرات والتطورات، ولكن إذا تم تشخيصهم بها فسيظهر السلوكيات المرتبطة بالاضطراب الشخصي الظنوني لمدة عام على الأقل.

تشخيص اضطراب الشخصية الظنونية

يمكن تشخيص الشخص المصاب بضعف الشخصية الظنونية فقط من خلال اختصاصي الصحة النفسية، ولا يوجد مجال للاستشارة مع أي طبيب عام، حيث أنهم غالبًا ما يحيلون المريض إلى اختصاصي الصحة النفسية في النهاية.

أيضاً لا تجرى فحوصات أو تحاليل أو أية اختبارات لتشخيص اضطراب الشخصية الظنونية، فكل ما سيقوم به الطبيب النفسي هو مقارنة ما تشعر به من أعراض مع أعراض العامة للاضطراب والتطرق لتاريخ هذه السلوكيات في حياتك معتمداً على أدوات تقييم مصممة بشكل خاص لتشخيص اضطراب الشخصية الظنونية.

في بعض الأحيان، يعتمد الطبيب المعالج في البداية على البحث عن مشاكل البدانة التي قد تسبب ما يشعر به المريض.

أسباب اضطراب الشخصية الظنونية

لا يزال الباحثون والعلماء في مجال علم النفس غير قادرين على تحديد الأسباب المباشرة وراء الإصابة بإضطراب الشخصية الظنونية، وما هو متاح الآن هي بعض النظريات التي تشير إلى ثلاثة عوامل رئيسية وهي:

  • تتعلق العوامل الوراثية المرتبطة بالاضطراب الشخصية الظنونية بتاريخ مرضي سابق في العائلة، أو بأي من اضطرابات الشخصية الأخرى، وخاصة الفصام.
  • تتعلق العوامل الاجتماعية بكيفية تفاعل الفرد مع المحيطين به خلال مرحلة النضوج، بدءًا من الأسرة والأصدقاء.
  • تتعلق العوامل البيولوجية بشخصية الفرد ومزاجيته التي تشكلت على مدى الوقت نتيجة لتفاعلاته مع بيئته والأشخاص المحيطين به.

يتضح من ذلك أن هناك عدة عوامل مرتبطة بشكل كبير ببعضها البعض ولا يمكن فصلها أو ترجيح أهمية عامل واحد عن الآخر في اضطراب الشخصية الظنونية.

علاج اضطراب الشخصية الظنونية

العلاج النفسي

يعتمد علاج اضطراب الشخصية الظنونية بشكل رئيسي على العلاج النفسي، حيث يحاول الطبيب تعديل سلوك المريض ليتمكن من العيش بطريقة طبيعية، ويتضمن العلاج النفسي ما يلي:

  • تساعد المريض على تطوير مهارات التكيف، حتى يستطيع بناء علاقات مع الآخرين وتعزيز مشاعره وعواطفه.
  • تساعد المساعدة المريض على تحديد وفهم الأفكار والمشاعر التي تؤثر على سلوكياته، حتى يتمكن من تغييرها.
  • يهدف العلاج إلى مساعدة المريض على تغيير المعتقدات الداخلية الخاصة به تجاه الأشخاص المحيطين به، وخاصة تلك التي لا أساس لها من الصحة، ليتمكن من تحسين علاقاته الاجتماعية.
  • بالإضافة إلى ذلك، يوجد جانب مهم في العلاج النفسي يتمثل في مساعدة المرضى على التحكم في ردود أفعالهم تجاه الآخرين.

الدواء

يستخدم الدواء أيضا لعلاج الاضطرابات الشخصية الظنونية، ولكن بشكل محدود وفي الحالات الشديدة أو الحالات المرتبطة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق. تستخدم الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق ومضادات الذهان عادة مع العلاج النفسي، ولا يمكن الاستغناء عنه.

تتمثل صعوبة معالجة اضطراب الشخصية الظنونية في عدم قدرة الطبيب على معالجتها بشكل كامل أو قلة الأبحاث المتاحة، ولكن السبب الرئيسي يعود إلى إنكار المصاب لحاجته للعلاج، حيث يرى نفسه خاليًا من أي مشكلة، وبالتالي لا يروم زيارة الطبيب أو الخضوع للعلاج.

أحد المراحل الصعبة في علاج اضطراب الشخصية الظنونية هو بناء ثقة متبادلة بين المريض والطبيب. وفي كثير من الأحيان، لا يتبع الأشخاص المصابون بالاضطراب الشخصي الظنوني الخطة العلاجية الخاصة بهم بسبب عدم ثقتهم في الطبيب في المقام الأول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى