الزهراوي مؤلف كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف
لعل علماء المسلمين الأكفاء لعبوا دورا كبيرا في التقدم الحاصل الآن، فمجال الطب لم يكن في الماضي متطورا بالشكل الهائل الذي نشهده الآن من خلال الأدوات والأجهزة الطبية المتقدمة وتجهيزات غرف العمليات. ومع ذلك، يكفي أحيانا مجرد مقص أو مشرط ليقوم الطبيب بإجراء عملية جراحية تنقذ حياة العديد من المرضى. هذا هو الجراح العظيم أبو القاسم الزهراوي الذي قدم الكثير لتطوير مجال الجراحة والطب واختراع الأدوات البسيطة للعمليات الجراحية. نحيي ونقدر هذا العالم العظيم، على الرغم من فقر المعلومات التاريخية المتاحة عنه، إلا أن القليل الذي توصلنا إليه كان كافيا ليجعل الزهرواي واحدا من أهم الشخصيات التي أنجبتها الأندلس .
مولده ونشأته : ولد الزهرواي في مدينة الزهراء وعاش في قرطبة، وهو طبيب عربي مسلم من أصل أنصاري، ويعتبر من أعظم جراحي العالم الإسلامي، وقد أثر بشكل كبير على الأطباء، ويعرف في العالم الغربي باسم (Albucasis) .
للأسف لن تتم الإشارة إلى الزهراوي إلا في كتابات ابن حزم والذي ذكر أنه من أعظم أطباء الأندلس ، وذكره أيضا الحميدي في كتابه ( جذوة المقتبس في ذكر علماء الأندلس ) حيث أوضح سيرته الذاتيه والغريب في الأمر أن الحميدي لن يكتب السيرة الذاتية للزهراوي إلا بعد وفاته ب 60 عاما ، وقد ذكره أيضا ابن أصيبعة حين قال عنه ( كان طبيبا فاضلا خبيرا بالأدوات المفردة والمركبة ، جيد العلاج ) ، كما وصفه غوستاف لوبون بأنه أشهر جراحي العرب .
أعماله وإنجازاته الطبية :
أكبر إنجاز في حياة الزهراوي هو كتابه “التصريف لمن عجز عن التأليف
هذا الكتاب الموسوعي الذي تم كتابته عام 1000 م والذي جمع فيه كافة علوم الطب والصيدلية في زمانه ليتكون من 30 مجلدا، تناول فيه طب الأسنان والولادة، وأضاف حوالي 325 نوعا من الأمراض من خلال ممارسته في مجال الطب، ولم يقتصر الكتاب على ذلك فقط بل شمل أيضا المرض وكيفية علاجه، وركز الزهراوي أيضا على جوانب عديدة من الجراحة وشرح كل ما يتعلق بالجوانب الجراحية .
كان لكتاب الزهروي مكانة كبيرة جدًا في العالم العربي، واستمرت هذه المكانة لفترة طويلة، حتى أن الأطباء في الغرب في العصور الوسطى استمروا في اتباع منهج الزهروي لمدة تقارب الخمسة قرون، وكان هذا الكتاب موسوعة طبية لأوروبا بعد أن تم ترجمته إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر على يد جيراردو الكريموني .
ظل كتاب الزهرواي المرجع الأول حتى القرن السادس عشر حيث اشتمل على كل شئ يخص الجراحة والجراحين ، وأورد فيه الدفراوي صورا توضيحية للآلات الطبية التي صنعها بنفسه لتلاءم العمليات الجراحية ، كما أنه أضاف شرح ما يفسد الجراحات وما سر نجاحها أيضا ، كما اهتم أيضا بطب الأسنان حيث يعد أول كتاب يوثق أدوات طب الأسنان .
سبق العلماء العرب والغربيون الزهرواي في وصف كيفية ربط الأوعية الدموية، ولقدوصف العالم أمبرواز باري الشريان الصدغي وكيفية علاج مرض الصداع النصفي عن طريق جراحة ربط هذا الشريان، وكذلك وصفوا مرض الناعور .
استخدم الزهرواي خيوطًا تستخدم في العمليات الجراحية والتي استخلصها من أمعاء القطط ، حيث تعتبر هذه الخيوط المادة الوحيدة التي يمكن لجسم الإنسان تحللها وتقبلها ، كما اخترع الزهرواي ملقطًا جراحيًا يستخدم في استخراج الأجنة الميتة.
لم يتوقف عند خطأ العلماء القدامى، بل عاؤضهم وصحح خطئهم. حيث ذكروا أن الكي صالح فقط في فصل الربيع، لكنه أصر على رأيه الذي يفيد بأن الكي صالح طوال العام، وأن الحديد أيضا يستخدم في عملية الكي بالإضافة إلى الذهب ويعطي نتائج أفضل .
كما برع الزهرواي في علم الطب، فقد برع أيضاً في علم الصيدلة، حيث استخدم تقنيات التسامي والتقطير في تحضير الأدوية، ولذلك كان خبيراً حقيقياً في الأدوية المركبة والمفردة .
– اخترع العديد من الأدوات الجراحية مثل الإحليل الداخلي والذي يستخدم لإخراج الأجسام الغريبة من وإلى الحلق ، كما اخترع أيضا إلات خاصة بعمليات الولادة واستئصال أورام الأنف وآلات لإستخراج حصوات المثانة بالتفتيت عن طريق الهبل واخترع أيضا اللاصق الطبي الذي لا يزال يستخدم إلى يومنا هذا .
يعتبر الزهراوي أول من وصف عملية القسطرة وأيضا مخترع أدواتها وأول من أجرى عمليات بالقصبة الهوائية، وهذه العملية تعد من أخطر العمليات حيث رفض القيام بها كلا من ابن سينا والرازي، كما وصف الزهراوي الحقن العادية والشرجية وملاعق تستخدم في فحص اللسان والفم واللوزتين .
تمكّن الدكتور الزهراوي من علاج انسداد فتحة البول عند الأطفال الرُضّع حديثي الولادة باستخدام آلة دقيقة جدًا، وهو الأول الذي استخدم قوالب خاصة لصب الأقراص الدوائية، كما توصل إلى طريقة مبتكرة لوقف النزيف عن طريق ربط الشرايين الكبيرة .
آثاره :
– قام الأندلس باختيار اسمه لتسمية أحد شوارع قرطبة تكريماً له .
وصف بترو أرغالاتا بأنه رئيس كل الجراحين .
وصف دونالد كامبل بأنه مؤرخ طبي عربي وأكثره تأثيرًا في أوروبا .
استشهد غي دي شولياك الجراح الفرنسي أكثر من 200 مرة بتفصيل كل ما يتعلق بكتابه التصريف، الذي يستخدمه الذين يعجزون عن التأليف .
وفاته : لم يتم ذكر تاريخ وفاته في كتب التاريخ، كما لم يتم ذكر تاريخ ميلاده، ولكن الاتفاق على أنه توفي بعد عام 400 هـ، وبعدما ساهم في إحداث طفرة حديثة في عالم الطب والصيدلة، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، لذا فإن الزهراوي يعد أبا للأطباء والجراحين .