الرثاء في الشعر الاندلسي
يشير الرثاء إلى نوع من الشعر يعبر فيه عن مشاعر شخصية تتعلق بالمتوفى وحزن الأحياء عليه. ويعتبر هذا الشعر وسيلة لتكريم الميت وتخليد ذكراه، حيث يستخدم كتأبين وعزاء وندب للفقيد وأهله وذويه. وقد اشتهر هذا النوع من الشعر في الأندلس وكان الشعراء في تلك الحقبة يتمكنون من التعبير عن مشاعرهم العميقة من خلاله. ونظرا لأن الميت هو شخص معنوي يمثل المدينة أو المملكة أو الأندلس، فإن المشاعر في الرثاء غالبا ما تكون أكثر عمقا وتركيزا بسبب العواطف القوية المتواجدة لديهم، وتعبر النصوص عن الألم والبكاء والحسرة.
رثاء المدن والممالك في الشعر الأندلسي
فنون الشعر الأندلسي تعددت وذاع صيتها في جميع أنحاء الوطن العربي وقد تمثلت بدايات نشأة ذلك النوع من الشعر المعروف برثاء المدينة ومن ثم رثاء الممالك يليه رثاء الأندلس بعد أن سقطت الأندلس أو أنها كانت في ذلك الوقت على وشك السقوط، وقد عرف أدباء العرب رثاء المدينة لما يحققه من أغراض أدبية بالنثر والشعر.
النثر الأندلسي يمثل لون من ألوان التعبير التي قامت بعكس طبيعة الانقلابات السياسية التي اجتاحت المراحل المختلفة لعصور الحكم، وكان يتم كتابة قصائد في رثاء الأندلس لا تقتصر حدودها على رثاء المدينة فقط وقتما أصيبت بالتخريب والدمار نتيجة الحروب مع العدو النصراني الإسباني وما نتج عنه من سقوط عسكري وفتن داخلية بالمملكة مثلما حدث من خراب لقرطبة ليس مرة واحدة بل اثنتين أولهما حدث لما تم من فتنة القرطبة الكبرى، والثانية كانت السقوط الأخير الذي قام به الإسبان.
يعتبر رثاء المدينة جزءا من مظاهر التجديد في الشعر الأندلسي، حيث لم تكن هناك مدن تبكي على دمارها في العصور السابقة لتلك الفترة. ومن بين القصائد الشهيرة التي تحتوي على رثاء الممالك، هناك مرثية (مرثية أبي محمد، عبد المجيد بن عبدون) التي كان يرثي بها أصحاب بطليوس من بين قتلى بني الأفطس. وأول بيت في هذه المرثية يقول:
الدهــــر يفجع بعد العين بالأثر فما البـكاء على الأشباح والصور
كما أكمل بالمرثية قائلاً:
أنــهاك أنهاك لا ألوك موعظة عــن نومة بين ناب الليث والظفر
تضمنت مرثية أندلسية رثاءً لمملكة أشبيليا وأميرها الشاعر المعتمد بن عبادة، وربطت بين السياسة والمأساة الذاتية، وكانت من تأليف (أبي بكر بن عبد الصمد)
أيها الملك الملوك، أسمعني وأجب دعوتي، هل عدت تخليت عني؟
لم يكن هناك أيقصور فيك وكنت كما تكون دائمًا دون أي احتفالات
كنت أعتقد أن دموعي ستطفئ نيران الحزن التي اشتعلت في قلبي
قصائد في رثاء الاندلس
يعكس رثاء المدن في الأندلس جهاد الشعب وكفاح الأمة على مدار فترة زمنية تمتد لأكثر من ثمانية قرون. شهدت تلك الفترة العديد من الأحداث التاريخية الهامة مثل عبور المسلمين والعرب لمضيق جبل طارق، ثم خروجهم من غرناطة، آخر ممالكهم. لذلك، تمت كتابة العديد من القصائد بواسطة الشعراء الذين عاشوا مرارة تلك الأحداث، وتم تجميعها في دواوين وقصائد تصنف كمراثي وبكائيات الشعر العربي على مر العصور.
ومن الممكن أن تكون واحدة من أشهر تلك القصائد هي قصيدة أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس التي تحمل عنوان (لكل شيء إذا ما تم نقصان)، وقد كتبها الشاعر صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي، وكان يلقب بأبي البقاء. ولد في مدينة رندة في الأندلس عام (1204م)، وهذا هو السبب في لقبه الرندي. انتشر صيته بعد كتابته للقصيدة الشهيرة التي نعى فيها الأندلس بعد سقوط مدنها وسقوطها تباعا على يد الأسبان، وبدأت القصيدة بالمطلع التالي.
أثر الأندلس في تاريخ الأدب
انتشرت الأندلس بين الدول العربية والأوروبية كواحدة من أجمل الأماكن التي تضم الكثير من القيم والثقافة. تم تداول أدب الأندلس وشعرها بشكل واسع في تاريخ الأدب العربي، ولفت انتباه الأدباء والشعراء والفلاسفة في جميع أنحاء العالم. وكان لاهتمام حكام الأندلس بكل أشكال الأدب، سواء كانت نثرية أو شعرية، تأثير إيجابي على التقدم الذي حققه الأدب الأندلسي وما تركه من إرث غني في الأدب والشعر.
وكما يعزى الأدب الأندلسي لأهميته إلى الشعراء العظماء الذين نشأوا في الأندلس ونجحوا في ملء خزانة الأدب بالأشعار والقصائد العظيمة ذات الطابع الأندلسي الفريد المتأثر بجمال الطبيعة الخصبة في بلادهم. ومن بين أشهر شعراء العصر الأندلسي المساهمين في شهرة هذه الأشعار، الشاعر (ابن هاني الأندلسي، أبو البقاء الرندي، ابن زيدون، ابن سهل الأندلسي، والشاعر أحمد عبد ربه وغيرهم الكثير من الشعراء.
قام هؤلاء الشعراء بكتابة العديد من الأنواع الشعرية والأغراض المختلفة مثل المدح والتصوف والغزل والهجاء والرثاء. قاموا أيضا بإضافة الطابع الخاص بهم في فنون الشعر الأندلسي، حيث قاموا بتطوير شعر الرثاء وابتكروا نوعا جديدا من الشعر يعرف برثاء المدن والممالك الزائلة، وقد وسعوا في وصف وغزل الطبيعة والبيئة، متأثرين بجمال الأندلس وطبيعتها الساحرة. قاموا أيضا بابتكار الأرجاز والموشحات، بالإضافة إلى الغزل الماجن، ولكنه لم يظهر إلا في بداية الحقبة الأولى نظرا للقيود الدينية التي كانت تحول دون كتابته. ومنذ بداية عصر الطوائف وحتى نهاية حكم العرب، كان الشعر المجون هو أحد عناصرهم الشعرية.