الدروس المستفادة من سورة النبأ
بسم الله الرحمن الرحيم “كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ” سورة (ص) الأية رقم (29). ، دائماً ما يذكرنا الله عز وجل ويحثنا علي التدبر في كتابه العزيز الذي يحتوي بين طياته كلام رب العزة، ولهذا عزيزي القارئ دعنا نخوض معاً في سورة النبأ.
نبذة عن سورة النبأ
تسمى هذه السورة بسورة النبأ أو عم يتساءلون أو سورة عم في بعض الكتب. تتكون هذه السورة من أربعين آية، وتتحدث هذه السورة في المجمل عن البعث وإثباته، وحال الناس بعد البعث، بالإضافة إلى كونها السورة الافتتاحية للجزء الثلاثين الذي يتحدث في أغلبه عن يوم القيامة وأحداثه. ختمت السورة السابقة لها وهي سورة المرسلات التي تتحدث عن الذين يكذبون بيوم الدين، لتأتي سورة النبأ بسؤال وهو “عم يتساءلون”، حيث كان هناك خلاف بين كفار مكة حول البعث والنبأ الذي جاء به الرسول الله صلى الله عليه وسلم .
تفسير آيات سورة النبأ
جاء الله العزيز بالإجابة عن السؤال (الذي هم فيه مختلفون ، عن النبأ العظيم) ، ثم تأتي الآيات التي تليها (كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون) لتبين لهم وتؤكد أنهم سيعلمون بما كذبوا به علما يقينيا في يوم القيامة، والآية الثانية تأتي لتؤكد على الآية التي تسبقها عن الذي يستعملونه في يوم القيامة.
النعم التي يذكر بها الله -عز وجل- عباده
ثم يوضح الله نعمته على خلقه لكي يشعروا بهذه النعمة ويتعين عليهم أن يشكروا، فقد قال (ألم نجعل الأرض فراشا) أي مهدناها للمشي عليها والاستفادة منها بسهولة، فليست صلبة أو وعرة حتى يواجهوا صعوبات في استغلالها أو المشي عليها، (والجبال أعمدة) أي جعلها الله دعما للأرض حتى لا تهتز وتبقى ثابتة، فالجبال تعمل كأعمدة في الأرض تماما كما تعمل الأعمدة في خيمة تثبتها من أي رياح.
وخلقناكم أزواجا، أي من أنواع الذكور والإناث.
في الآية (وجعلنا نومكم سباتًا)، يتم استخدام النوم كأداة لقطع التعب والمشقة التي يواجهها الإنسان، حيث يوفر النوم الراحة والهدوء للجسم ليتمكن من استكمال نشاطه في الأيام التالية.
(وجعلنا الليل لباسا) حيث شبه الله الليل باللباس الذي يرتديه الأرض.
تم خلق النهار ليكون معاشًا للناس، لتمكينهم من الخروج للبحث عن الرزق وفقًا لظروفهم ومؤهلاتهم.
تشير الآية القرآنية: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) على السماوات السبع التي وصفها الله بالشدة والقوة.
(وجعلنا سراجا وهاجا ) وهذا يشير إلى الشمس، وهي أيضا ذات حرارة عالية وبعيدة جدا عنا، فمن الصعب أن يقترب أحد منها. وعلى الرغم من ذلك، فإنها ذات فائدة كبيرة ومن النعم التي أنعم الله بها على الإنسان؛ حيث تساعد في إضاءة النهار وتعزز نضج الثمار. ويستخرج الإنسان منها العديد من أنواع الطاقة، بالإضافة إلى الطاقات العظيمة الأخرى التي يمدنا بها هذا السراج الوهاج الذي أنعم الله به علينا.
إننا ننزل الماء من المعصرات بكميات كبيرة وبشكل قوي، وتأتي هذه الآية بعد آية تتحدث عن الشمس، لأن الماء يحتوي على الرطوبة والبرودة. وهذا الماء هو الذي يساهم في نمو النباتات على الأرض. فالماء وحرارة الشمس هما العاملان الأساسيان في نضوج الثمار ونموها.
يقصد الله عز وجل بالمعصرات السحاب، كما لو كان يتم عصر السحاب لينزل الماء، ويعني قوله “ثجاجاً” أن المطر سيكون غزيرًا ومتواصلًا.
(نريد أن نخرج بها حبوبا ونباتا) أي نريد أن نستفيد من هذه الأمطار والمياه التي أنزلها الله من السماء على الأرض لترويها وتنمو فيها الحبوب والنباتات المختلفة.
تشمل الجنان الكثيفة الملتفة على بعضها البعض، والتي تشمل الحبوب والنباتات، وتُعرف باسم (ألفاف).
بعد ذكر الله عز وجل بعض نعيمه على خلقه، يذكر في القرآن الكريم قوله (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) ويتم تسمية يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين عباده، ويُشار إلى أنه ميقاتاً أي أنه له موعد محدد ومؤجل لوقت محدد.
البعث ومشاهد من يوم القيامة
في هذه الآية: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)، يخبر الله عباده عن مواقف يوم القيامة، ومع الموقف الأول يتم نفخ الناس ليبعثوا ويأتون أفواجًا لحسابهم.
(وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا) وهذايشير إلى المشهد الذي يلي البعث حيث يرون الناس السماء المغلقة تفتح مثل الأبواب.
وَتَحَرَّكَتِ الْجِبَالُ كَالسَّرَابِ، وهذه الجبال العظيمة التي تعتبر أوتادًا للأرض تسير كالسراب.
يعني هذا الآية أن جهنم مترصدة للكافرين الذين يكذبون بالله وآياته.
تعني (للطاغين مأوى) أن الطاغية هو من يتجاوز الحدود في حق الله عز وجل وفي حق عباده.
يعني `لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا` أنهم سيبقون فيها لفترات طويلة.
حيث منع الله البرد وحتى الشراب عنهم، لذا لا يذوقونهما في ذلك المكان.
ويعني (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا)، أنهم ليس لديهم سوى حميم وهو الماء الساخن والغساق وهو المشروب النباتي.
وهذا هو جزاء مناسب ومنصف لما كانوا يفعلونه، وأنهم لا يتوقعون الحساب ولا يخافونه في الآخرة، وكانوا يكذبون بآيات الله ورسله.
وكل شيء قد تم تدوينه في كتاب، أي أن أي فعل أو قول يتم كتابته.
تمثل عبارة (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) توبيخًا وإهانةً للكافرين.
جزاء الله للفائزين من عباده
(للمتقين مفازا وحدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) ودائما بعد آيات العذاب تأتي آيات النعيم حيث يبشر الله هنا عباده الفائزين بالحدائق والأعناب وكواعب أترابا، وهي وصف للحور العين والكأس الممتلئة التي يقصد بها هنا الخمر ولكن خمر الجنة التي تختلف عن خمر الدنيا، ولا يسمعون فيها الكذب ولا الكلام الذي لا معنى له، فهذا جزاء من ربك .
رب السماوات والأرض وما بينهما، الرحمن، ليس لأحد الكلام مع الله إلا بإذن
(يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) الروح هنا هو جبريل عليه السلام والملائكة في صفوف.
يشير هذا الآية إلى يوم القيامة، ويترك الخيار للناس ليتوبوا ويعملوا وفقًا للإرادة الخاصة بهم ويتوجهوا إلى الله.
(إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)
يحذر الله من العذاب القريب، والذي يتحدث عنه، وعندما يحين ذلك الوقت، ينظر الإنسان في سجل أعماله ويتحدث الله عن تحسر الكافرين.
اللهم اجعلنا وإياكم من الفائزين ولا تجعلنا من الخاسرين المكذبين.