الحضارة الموكينية
الحضارة الموكينية هي حضارة قامت في بلاد اليونان ، على جزيرة كريت ، وقد كانت الثانية من بين حضارات العصر البرونزي ونشأت في عام 1600 قبل الميلاد ، تم تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى مدينة موكيناي ، وهي حضارة ذات أصل يوناني بخلاف الحضارة الإيجية التي يعود أصلها لخارج اليونان ، وقد عاصرتها لـ200 عامًا قبل أن تنتهي الحضارة الإيجية في عام 1400 قبل الميلاد ، وتم تدمير الحضارة الموكينية كذلك عام 1100 قبل الميلاد ، وذلك على أيدي القبائل الدورية التي غزت اليونان من الشمال إلى الجنوب .
مكتشف الحضارة الموكينية
تميز أصحاب الحضارة الموكينية بميلهم للحروب والغزو ، وقد وقعت في عهدهم أحداث حرب طروادة الشهيرة والتي ذكرت في الإلياذة ، تم اكتشاف آثار هذه الحضارة على يد العالم الألماني هاينريش شليمان عام 1870م ، وكان متأثرًا جدًا بالحضارات اليونانية القديمة حيث تربى منذ نعومة أظفاره على قصص والده الذي كان متخصصًا في التاريخ القديم ، وقد أثرى مخيلته بحكايا الإلياذة عن حرب طروادة وكذلك الأوديسة التي ذكرت مغامرات أوديسيوس بعد نهاية حرب طروادة التي كتب عنها الشاعر الإغريقي هوميروس ، وقد اعتبر الناس وقد ذاك أن تلك الملحمتان ضربًا واسعًا صنعه الخيال ، لكن شليمان لم يعتبرها كذلك .
وبمجرد أن أنتهى شليمان من الدراسة الإعدادية وعندما بلغ عمره أربعة عشر عاما، قرر السفر إلى أمريكا الجنوبية لجمع المال لأجل البحث والكشف عن صحة احتمال حدوث حرب طروادة وكل ما يعتقده، ولكنه تعثر في الرحلة حيث غرقت السفينة التي كانت تقله إلى أمريكا الجنوبية، وجرفته الأمواج إلى شواطئ هولندا، وأقام هناك لمدة أربع سنوات قبل أن ينتقل إلى روسيا، حيث قضى عشرون عاما يجمع الثروة لتحقيق هذا الهدف الذي كرس حياته لأجله .
وفي ذلك الوقت، كان عقله مشغولا بقراءة كل ما كتب عن طروادة وتعلم أربعين لغة وجمع ثروة هائلة أيضا. ثم في عام 1870، قرر بشدة السفر إلى المكان الذي قيل إن حرب طروادة وقعت فيه، والموجود في شمال غرب آسيا الصغرى. قام بأعمال التنقيب فيه لمدة عام كامل ولم يحصل على أي أدلة أثرية، حتى جاء أحد العمال وحمل إناء نحاسيا مليئا بالذهب والفضة. لقد أثار هذا الأمر فرحته وسعادته، ومن هنا قام بدعوة زملائه من خبراء التنقيب في أوروبا لمساعدته في اكتشاف المزيد .
ونجحت جهودهم حيث تم العثور على 9 مدن تحت الأرض، ومن بينها مدينة طروادة، وتم العثور أيضا على قصر مينوي الذي أعاد تشييده الإنجليزي آرثر إيفانز في كانسوس، وكذلك المعقل “أ” الموجود في المدخل الشمالي للقصر. ويشتهر المعقل “أ” بجصية الثور الموجودة في أعلاه، وكذلك نقش أمير الزنابق أو الملك الكاهن، وهو نقش تم ترميمه كييرو في نهاية ممر المراسم. واعتقد إيفانز أنه كان كاهنا ملكا، حيث كان يرتدي تاجا مزينا بريش الطاووس وعقدا من الزنابق، ويقتاد حيوانا غامضا لأجل التضحية. يعتبر هذا الموقع، الذي هو قصر كنوسوس، أكبر اكتشافات الآثار في جزيرة كريت من العصر البرونزي، وكان في العصور القديمة مركزا سياسيا واقتصاديا ومراسميا للحضارة المينوية. وكان أيضا موقع المتاهة الشهيرة في الأساطير اليونانية، حيث ذكرت “متاهة دايدالوس” و”قصر الملك مينوس” فيها .
بداية الحضارة الموكينية
تعود تاريخ كنوسوس إلى ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد، وهاجر مهاجرون آتوا من الأناضول إليها في بداية الألفية السابعة قبل الميلاد، مما أدى إلى ازدهارها بشكل كبير. في عام ١٥٨٠ قبل الميلاد، امتدت الحضارة المينوسية في جزيرة كريت بأكملها وفي جميع أنحاء اليونان، مما أثر بالطبع على الحضارة الموكينية. ثم فقدت الحضارة المينوسية أهميتها بعد تدمير قصرها بالنار، ومن هنا تحول المركز الرئيسي إلى مدينة ميكناي. وفي قصر ميكناي تم تصوير نفس اللوحات الجدارية التي تميزت بتصوير القفز فوق الثور، وباحة الصنبور الحجري، وغرفة العرش. في القرن الثامن قبل الميلاد، تأثرت المدينة بزلزال قوي أدى إلى هدم أول قصر عظيم تم بناؤه في عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد، ثم احترق قصر آخر في القرن الخامس عشر. وفي ذلك الوقت، كانت مدينة كنوسوس تعد بؤرة ومركزا للمدن اليونانية وكانت ذات أهمية كبيرة. حتى قرر الرومان غزو جزيرة كريت في عام ٦٧ قبل الميلاد، واستمرت بالاحتفاظ بأهميتها على الرغم من التراجع التدريجي حتى انهارت تماما في القرن الرابع الميلاد .
أصل الحضارة الموكينية
عندما نعمق في التاريخ ونأخذ معنا ما يميز حضارة موكينية، نجد أننا وصلنا إلى مناطق آسيا الصغرى ومصر. كان للكريتيين، سكان جزيرة كريت الأصليين، علاقة وثيقة مع سكان آسيا الصغرى ومصر، حيث كانوا يشتركون في استخدام الصلصال في الكتابة ويمتلكون نظاما للأوزان والمقاييس المشابهة. وكانوا يعبدون زيوس بمثابة برنديوس، وكانوا يعبدون الأعمدة والثور واليمامة. في مدينة فريجيا، كانت هناك سيبيل عظيمة تشبه إلى حد بعيد إلهة الأم المعبودة في كريت والتي سميت باسم `ريا سيبيل` من قبل الكريتيين .
بخلاف كل الأدلة التاريخية القديمة التي تشهد على تأثير مصر العظيمة في كريت على مر العصور، لا يوجد اختلاف كبير بين الثقافتين حتى يجعل العلماء يعتقدون أنه خلال فترة الاضطراب في عصر مينا في مصر، انتقل المصريون إلى جزيرة كريت، ويدعم هذا الاعتقاد الآنية الفخارية التي تحمل علامات مصرية والأسلحة النحاسية المشابهة لتلك الموجودة في الحضارة المينوية في اليونان، بالإضافة إلى التمائم المصرية المزدوجة والموازين الكريتية المشابهة لتلك في آسيا الصغرى، وأساليب نحت الحجارة الكريمة والفنون الزخرفية المشابهة. هذا الشبه بين البلدين جعل الناس يعتقدون أن الحضارة الكريتية هي مجرد فرع من الحضارة المصرية، ولكن لا يمكن أن نعتمد فقط على هذا الاعتقاد بسبب الخصوصية الواضحة للحضارة الكريتية .