التطورات الاقتصادية في العالم الاسلامي
الإسلام في أصله ليس مجرد ديانة بل هو أيضا طريقة حياة، وهناك من يربط بين الإسلام والدول العربية، ومع ذلك، فإن العالم الإسلامي في الواقع أكبر بكثير، حيث يتميز بالتنوع الهائل في الأعراق والثقافات والبلدان، وبالتالي، فإن الاقتصاد في العالم الإسلامي متنوع ومتشعب أيضا، وقد شهد العديد من التطورات على مر العصور.
وفي الوقت الحاضر، يوجد المسلمون في أكثر من 50 دولة حول العالم، من الأطلسي شرقا إلى المحيط الهادئ وعبر مناطق شمال أفريقيا ووسط آسيا وشبه الجزيرة الهندية. ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2014، تبلغ السكان المسلمين حوالي 1.8 مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى 2.1 مليار في عام 2020. يعيش معظم المسلمين إما في الدول الإسلامية أو في بلدان تحتضن تجمعات إسلامية كبيرة. وحاليا، تشترك 57 دولة إسلامية في منظمة التعاون الإسلامي.
ملخص التطورات الاقتصادية في العالم الإسلامي
الاقتصاد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام
نزلت الوحي على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في العام 622 ميلادية تقريبا، ثم هاجر النبي بعد ثلاثة عشر عاما من البعثة من مكة إلى المدينة المنورة، حيث شهدت المدينة أول مراحل نشأة الدولة الإسلامية، وتأسست هناك أول دولة إسلامية بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام وعاصمتها المدينة، حيث تم نشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، واعتمد الاقتصاد في تلك الفترة على الزراعة والتجارة.
وقد وضع الدين الإسلامي مبادئ لتنظيم جميع شؤون الدولة، بما في ذلك الاقتصاد، ومن بين أهم المبادئ الإسلامية التي وضعها الإسلام لتنظيم الاقتصاد:
- نظام الزكاة: فرض الله تعالى الزكاة على المسلمين بهدف تطهير أنفسهم وتزكيتها، وكذلك للحد من الفوارق الكبيرة بين المسلمين، حتى لا يكون هناك شخص غني جدًا يعاني البقية من الفقر.
- أهمية العمل: أكد الله ورسوله على أهمية أن يقوم كل مسلم قادر على العمل بكسب رزقه بنفسه، ولذلك يعد العمل أساس بناء الدولة، سواء كان هذا العمل تجارة أو صناعة أو زراعة أو أي عمل آخر يتوافق مع تعاليم الدين.
- تحريم الربا والغش: حرم الإسلام الربا بشكل قطعي، وحرم أيضا الغش والتلاعب في الوزن .
كانت تلك القواعد الثلاثة هي التي بنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم اقتصاد المدينة، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في العام 11 هـ، بدأت مرحلة الخلافة الراشدة، وفيها تولى أربعة من الخلفاء الراشدين شؤونالدولة الإسلامية.
اقتصاد الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين
بدأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه حكمه بمحاربة مانعي الزكاة، وذلك لأنه أدرك أن منع الزكاة وهي واحدة من أهم الموارد الاقتصادية للدولة يتعارض مع أمر الله تعالى، ويسبببالفساد والضرر الكبير للاقتصاد الإسلامي والدولة الإسلامية والنظام الاجتماعي فيها.
خلال مرحلة الخلافة الرشيدة اتسعت رقعة الدولة الإسلامية لتصل حتى شمال أفريقيا وبلاد فارس، وتم إنشاء أول بيت مال للمسلمين وذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اعتمد الفاروق عمر على أموال الزكاة والخراج على الأراضي والجزية، كما قام بإنشاء بيت مال في كل ولاية من الولايات المسلمة وحددت طرق إنفاق ميزانية الدولة، وعين أمينًا لبيت المال وقد انتهت فترة الخلافة الراشدة في عام 661م.
الاقتصاد في فترة الحكم الأموي
بدأت الدولة الأموية بولاية معاوية بن أبي سفيان عام 41 للهجرة، وكانت فترة حكم الأمويين مرحلة هامة في تاريخ تشكل العالم الإسلامي، حيث توسعت الدول الإسلامية، وكان الأمويون أول من أصدروا عملة إسلامية تسمى الدينار، وكانت مصنوعة من الذهب والفضة، ونقش عليها صورة الخليفة عبد الملك بن مروان وهو يحمل سيفا، وكتب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الل.
الاقتصاد في العصر العباسي
شهدت الدولة العباسية مراحل مختلفة، حيث ازدهرت العلوم والفنون والاقتصاد في بدايتها، وتوسعت مساحة العالم الإسلامي وزادت قوة ونفوذ الدولة، مما أدى إلى تطور الاقتصاد ووصفت تلك الفترة بـ “العصر الذهبي للإسلام”، واعتمد الاقتصاد في العصر العباسي على الزراعة، وتم تقسيم الملكية الزراعية إلى ملكية خاصة وأوقاف وإقطاعيات وأراضي مملوكة للخليفة ورجال الجيش.
كما عرف العباسيون صناعات هامة مثل صناعة السجاد وصناعة السكر، وصناعة الحرير والكتان والصوف وأيضًا منتجات الألبان، كما ساهم الاتصال مع الصين إلى انتقال صناعة الحرير إلى بغداد التي كانت عاصمة الدولة ، وأيضًا اشتغل الصناع في العصر العباسي بصناعة الورق والفخار والزجاج والنحاس، وصناعة السفن.
شهدت حركة التجارة نشاطًا كبيرًا في فترة الحكم العثماني، وازدهر طريق الحرير الذي ربط بين الصين وأفريقيا، وكانت العملة المستخدمة في الدولة العباسية هي الدينار.
شهدت الدولة العباسية في نهاية فترتها العديد من الاضطرابات والانقسامات، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد، وانتهت الدولة العباسية بغزو المغول لبغداد وقتل الخليفة العباسي عام 1258م.
الاقتصاد في الدولة العثمانية
في فترة تشكل العالم الإسلامي بين عامي 1453 و 1914 م، تأسست الدولة العثمانية بعد سقوط القسطنطينية، التي كانت عاصمة الدولة البيزنطية عام 1453م، وبدأت الدولة العثمانية في السيطرة على الدولة الصفوية في إيران في عام 1514.
انتزعت الدولة العثمانية مصر والشام في عام 1517م، وكانت في ذروة قوتها وازدهارها في القرنين 16 و17 الميلاديين.
يهيمن الأسطول العثماني على مناطق البحر المتوسط، لحماية الدولة من هجمات الأوروبيين على الدول الإسلامية، ولحماية الطرق التجارية.
كانت الزراعة تُعد واحدة من أهم مصادر الدخل في الدولة العثمانية، حيث كانت تسيطر في ذلك الوقت على نحو 87% من الأراضي الزراعية في العالم، وقامت الدولة العثمانية بتطوير نظام الأوقاف لتمويل مؤسسات الدولة ومساجدها وتوفير الرعاية الاجتماعية للأشخاص المستحقين في الدولة.
تساهم تنوع المناطق المناخية في المناطق التي تسيطر عليها الدولة العثمانية واتساعها في تنوع المحاصيل الزراعية في تلك المناطق.
في القرن السادس عشر، تحولت طرق التجارة بين الدول إلى المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، مما أدى إلى تطور الاقتصاد في تلك الفترة.
اكتسبت بعض المدن أهمية اقتصادية كبيرة في تلك الفترة، نظرًا لأن البرتغاليين قطعوا طرق التجارة البحرية في الجهة الشرقية، وكانت من بين تلك المدن مدينة حلب التي أصبحت وجهة للقوافل التجارية من جميع أنحاء الدولة العثمانية.
فرضت الدولة العثمانية نظام الالتزام على الدول التي كانت تخضع لسيطرتها، وكان الملتزم هو الشخص الذي كان مسؤولًا عن جمع الضرائب من مناطق محددة وكان ملزمًا بدفع مبلغ محدد من الضرائب مقدمًا، وكان الجزء الآخر من الضرائب يتم دفعه بعد جمعها.
تسببت سياسة الالتزام في تدمير النظام الاقتصادي في الدولة العثمانية، حيث تميز الملتزمون بالجشع في فرضهم للضرائب الباهظة التي لم يستطع الفلاحون سداد معظمها.
اضطرالفلاحون للاستدانة من التجار وأصحاب التيمار بسبب عدم قدرتهم على تسديد الديون بسبب ارتفاع فائدة الديون، وهذا أدى إلى ترك الفلاحين لأراضيهم .
تأثرت التجارة في المغرب بشكل إيجابي بسبب تحول طرق التجارة بعد احتلال سبته نحو المحيط الأطلنطي.
استقبل التجار المغرب، مما أدى إلى انتعاش التجارة الخارجية فيه.
شهدت بعض المناطق الداخلية في المغرب ظروفًا أدت إلى تقلص الدولة الوطيسية، وحاولت تعويض ذلك بفرض مزيد من الضرائب، كما تعرضت لبعض الكوارث الطبيعية، وأدى ذلك إلى تقليل مساحة الأراضي المزروعة، مما أدى إلى ظهور مجاعات بعد ارتفاع كبير في أسعار السلع.