التشابه والاختلاف في النهضة العربية والنهضة اليابانية
كيف بدأت النهضة العربية
بدأت النهضة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي، بفضل محمد علي بك الكبير، الذي ساهم بشكل كبير في بناء نهضة عربية شاملة ومهمة ينطلق من مصر. وجذبت هذه النهضة روادا من أبناء الجاليات العربية وجاليات أوروبية متنوعة.
لعب محمد علي دورًا رئيسيًا في تأسيس جيش مصري وطني قوي، مدرب تدريبًا ممتازًا، ومجهز بأحدث الأسلحة، كما ساهم في بناء اقتصاد متطور لمصر، يتحكم فيه الدولة من خلال أجهزة إدارية حديثة.
وجدير بالذكر أن ، رفاعي الطهطاوي وهو اديب عربي من رواد النهضه ، الذين ساهموا، وذكروا النهضة العربية ، بتفاصيلها التي كانت أقوى من النهضة اليابانية والأوروبية في زمان ما.
بداية النهضة اليابانية
لقد مرّ أكثر من قرن من الزمان على نجاح تجربة التحديث اليابانية، أو ما يعرف بالنهضة اليابانية، التي دفعت اليابان إلى مقدمة الدول العظمى، وهي التجربة الرائدة التي أدت إلى تحقيق التوازن بين التراث والحداثة.
كما أدت النهضة اليابانية إلى تحقيق التوازن بين النزعة الإمبريالية التوسعية والانفتاح الودي على دول الجوار، وذلك عن طريق التراكم الاقتصادي الهائل والإنجازات النوعية التي حققها اليابانيون في حضارة الإنسان بأكملها، وذلك عن طريق توظيف قواعد الإنتاج والعمل البشري.
أوجه التشابه بين النهضة العربية واليابانية
الضغط الأجنبي
في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كان الضغط الأجنبي على اليابان لا يقل قسوة عن الضغط الأجنبي على مصر بعد النهضة المصرية الحقيقية في عهد محمد علي، والتي كانت الأكثر جذرية في شرق البحر المتوسط طوال القرن التاسع عشر الميلادي.
التاريخ الحضاري
تتقاطع مصر واليابان في تاريخ طويل من الإنجازات الحضارية التي ترجع إلى بدايات تكوين الحضارات الإنسانية.
النهضة العسكرية
تتشابه بداية نهضتي مصر واليابان على أساس أنهما بدأتا بإنشاء قاعدة عسكرية واحدة أولاً، وتعزيز القطاع الصناعي في نفس الوقت، وجباية الضرائب العالية من القوى الإنتاجية لتأمين استيراد أحدث التكنولوجيا العسكرية الأجنبية.
تحديث الاقتصاد والاستراتيجية الاقتصادية
يمكننا القول إن كلا من النهضة العربية واليابانية ، وضعتا اقتصاد البلدين في خدمـة تحديث القوى العسكرية ، لذلك بدأت أولى بوادر الـتـحـديـث الاقـتـصـادي ، والاستفادة من التكنولوجيا الغربية تظهر في حركة بناء مصانـع الأسـلـحـة ، والذخيرة ، وبعض القطاعات المتصلة بالانتاج الحربي.
تم جمع ضرائب باهظة من القوى الإنتاجية في كلا الدول لتطوير الإنتاج العسكري، وتعزيز دور الجيش، وتغطية التكاليف العالية للمغامرات العسكرية خارج حدود البلدين.
كانت النتيجة العامة إيجابية بشكل عام، حيث بدأت التكنولوجيا في الانتشار على نطاق واسع في مراكز الإنتاج المختلفة التي كانت تخضع للدولة بأشكال مختلفة في مصر واليابان.
أوجه الاختلاف بين النهضة العربية واليابانية
التاريخ الحضاري
بسبب موقعها الاستراتيجي وكونها ملتقى لثلاث قارات، تعرضت مصر لحكم غزاة أجانب، وتلقت الغزوات المتتالية خلال مختلف العصور التاريخية، وكانت حضارتها القديمة عرضة لتغيرات جذرية تسببت في فقدان الكثير من طابعها المميز.
على الجانب الآخر، بسبب عزلة اليابان داخل جزرها المتطرفة، في شرق آسيا البعيدة، أصبحت بعيدة عن الرغبة الأجنبية، حتى منتصف القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من كثافتها السكانية، فإن العداء تجاه الأجانب حماها من أخطار الاستعباد لهم على مر التاريخ، حتى تعرضت لمعاهدات أجنبية مهينة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
قدسية الأرض ووطنية الحاكم
تعرضت الأساطير المصرية القديمة التي كانت تقدس الفرعون لتغيرات جذرية أدت إلى اندثارها، وذلك بعد دخول الديانات السماوية، كما خضعت مصر لحكم الأجانب لعدة قرون، حتى بعد حكم محمد علي، ولذلك كانت الأسرة الخديوية لا تتحدث اللغة العربية التي كانت لغة القرآن الكريم.
كان هناك تباين كبير بين ثقافة الشعب العربي والإسلامي، وثقافة حكام الدول الغربيةالمتقدمة، وظلت الحكومة الأجنبية تحكم مصر حتى عام 1952 ميلادية.
في المقابل، تُعَدُّ الرفعة السماوية هي الديانة الرسمية في اليابان، وتتميز بالمكانة القدسية للأرض اليابانية، إذ تُعَدُّ أرضًا للآلهة، ويعتبر الإمبراطور السابق لليابان، حتى اليوم الحالي، خليفة للآلهة.
كان من واجب كل فرد ياباني أن يموت في سبيل أرضه وإمبراطوره، الذي يمثل اليابان، فأرض اليابان هي أرض مقدسة، ولا يجوز للغزاة دوسها أو للأجانب البقاء عليها بدون إذن من الإمبراطور.
استقلالية القرار والقدرة على الإصلاح السياسي
في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، بدأت مصر مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، حيث أصبحت علاقتها بالسلطنة العثمانية ذات طابع شكلي تحت حكم محمد علي.
في عهد محمد علي، شهدت مصر نهضة حقيقية، حيث تم إنشاء جيش خاص للبلاد، وتميزت الإدارة والقوانين بالاستقلالية، وكان النظام التعليمي مميزًا.
قام محمد علي بإجراء العديد من الإصلاحات، بما في ذلك الإصلاحات الضريبية والزراعية، وأنشأ قاعدة صناعية متطورة في بعض القطاعات، وقاد العديد من الإصلاحات الاجتماعية في مختلف المجالات.
بالمقابل، خلال فترة توكوغاوا في اليابان، تراكمت الثروة في مجال جمع العملات الذهبية والفضية، نتيجة العزلة عن العالم الخارجي وتقليص التجارة.
نتيجةلذلك، تطورت القطاعات اليابانية وانقلبت الأحوال الاجتماعية حيث احتلت البرجوازية اليابانية الجديدة، والمعروفة باسم كازوكو، مكان الطبقة الساموراي القديمة في قمة الهرم الاجتماعي، كما أن الدستور الياباني الجديد والنظام السياسي الذي أنشأه منح الإمبراطور صلاحيات مطلقة.
الإصلاح الزراعي لتأمين الضرائب
في مصر، قام محمد علي بسلسلة من الإصلاحات الزراعية في وقت قصير. كانت السمة الأهم لإصلاحاته في الاقتصاد الزراعي هي احتكار الدولة للأراضي والإنتاج. الدولة كانت المالك الأعلى لمعظم الأراضي وأكبر متحكر لمعظم الإنتاج المخصص للتصدير. اقتصرت الملكية الأرضية والإنتاج على محمد علي وأسرته والمماليك والأتراك والأثرياء الوافدين إلى مصر، في حين استمر الفلاح المصري في حالة فقر.
بالمقابل، كانت صورة الأرياف اليابانية في نهاية عهد مايجي ليست أفضل من صورة مصر، وذلك لأسباب مختلفة، حيث دفع القطاع الزراعي في اليابان ثمنًا باهظًا لإصلاحات مايجي التي تركزت على تحديث الجيش والقطاعات المرتبطة به.
بشكل خاص، كان إنتاج الأرض هو العمود الفقري للاقتصاد الزراعي في اليابان، ويعتاش عليه الملايين من المزارعين، وكانت الحكومة تفرض عمدا ضرائب مرتفعة على الإنتاج، مما أدى إلى غرق الفلاحين في ديون ضخمة، ونتيجة لذلك، نجحت خطة الحكومة في إجبار العديد من أبناء المزارعين على الهجرة القسرية إلى المدن والانضمام إلى الجيش والإدارة ومشاريع التصنيع في القطاع الخاص والعام.