التخاطر وحكمه في الإسلام
غالبا ما نسمع مصطلح التخاطر، ولكنه غالبا ما يكون غامضا وغير مفهوم بالنسبة لنا في المجتمعات العربية. ومع ذلك، فقد بدأ التخاطر في الانتشار والانتشار مؤخرا بسبب دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر تلك المفاهيم وفتح المجال لمناقشتها بين المستخدمين. فما هو مفهوم التخاطر؟ هل هو سحر أم له علاقة بعالم الجن؟ وما هو رأي الإسلام فيه من حيث الحلال والحرام؟.
جميع ما سبق من أسئلة يتردد على أذهان وعقول كل من يطرح أمامه ذلك الأمر، إذ أن النفس البشرية بطبيعتها يثاورها الفضول بشدة حول كل ما هو غامض وجديد ولذلك سوف نتطرق إلى بحث ذلك الموضوع محاولين طرح جميع الأجوبة وإيضاح المفاهيم المبهمة وتصحيح المغلوط منها، ليتسنى لكل من هو مهتم بالتخاطر معرفة فوائده وكذلك أضراره.
ما هو التخاطر
قبل البحث عن حكم الدين الإسلامي ورأيه حول التخاطر لابد من التعرف أولاً حول المقصود منه وهو واحد من العلوم النفسية التي يتم تدريسها للطلاب في الجامعات الأمريكية والدول الأوروبية، إذاً هو أمر ليس عابر أو غير ذي شأن ولكن له تواجد كبير في المجتمعات الغربية، ومما لا شك فيه بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة فإن جميع ما يشغل المجتمع الأوروبي يصل سريعاً إلى الدول العربية وهو ما حدث بالفعل بشأن التخاطر.
هي ظاهرة تتيح انتقال الأفكار التي تشغل العقل من شخص إلى آخر دون الحاجة للحديث أو السمع أو أي حاسة أخرى. يمكن أن تحدث هذه الظاهرة بغض النظر عن المسافات الجغرافية بين الأشخاص، حتى إنها يمكن أن تحدث بين أشخاص في بلدان مختلفة. وعادة ما تحدث هذه الظاهرة بين الأشخاص المرتبطين عاطفيا ببعضهم البعض، وخاصة في حالة التوائم والأمهات وأطفالهم، أو الأزواج. فهم يشعرون دائما بما يشعر به الآخر وتنتقل لهم نفس الأفكار في نفس الوقت.
يقصد بالتخاطر في العلوم الغربية الانتقال الفوري من مكان إلى آخر حيث يتمكن الإنسان من قطع مساحات شاسعة في غضون لحظات والتي مع الدراسة والوقت قد تتيح للمرء السفر عبر الكواكب،وقد كان مجرد التفكير في الأمر ضرب من ضروب الخيال حتى عام (1993م) حيث بدأ التخاطر يدخل في الحيز النظري حينما قام فريق من الباحثين في شركة (IBM) بقيادة الفيزيائي تشارلز بينيت أن الانتقال عن بعد أصبح في الإمكان.
هل التخاطر حقيقي
يشير التخاطر إلى المقدرة على التواصل خارج الحواس حيث ثبتت المقدرة على قراءة عقل الآخرين لما يتضمنه مخ الإنسان من خلايا تعمل مثل المرآة وفي عام (2007م) تحدث علم النفس (جريجور دومز) على مقدرة تفسير الإشارات الدقيقة الاجتماعية من خلال الأوكسيتوسين، وهو هرمون يعزز من الثقة، وقد ورد في دراسة تم إجراؤها عام (2014م) أجراها الطبيب النفسي (كارليس غراو) مقدرة الأشخاص في التواصل عبر الأدمغة من خلال الإنترنت.
وفي عام (2008م) قام الطبيب النفسي (غانيسان فينكاتاسوبرامانيان وزملاؤه) بدراسة صوروا بها الدماغ لعالم نفسي يدعي مقدرته على التخاطر مع غيره من الأشخاص فكان على مقدرة من وصف صور مماثلة جداً لما تم إعداده له من صور بشكل مسبق ومن ذلك ثبت أنه قادر على التخاطر وتوقع ما تتضمنه الصور حتى من قبل أن يراها.
فوائد وأضرار التخاطر
لا يقتصر التخاطر على القدرة على إرسال رسائل من شخص لآخر عن طريق الاتصال الروحي والعقلي عبر مسافات بعيدة، ولكن هناك جانب آخر يجعل الشخص قادرا على قراءة أفكار الآخرين ومشاعرهم وتصوراتهم وأفكارهم. ومن هنا تنبع المشكلة التي تكشف أضرار التخاطر وخطورته، حيث تؤدي إلى خلافات وعداوات بين الأشخاص، وتسهم في سرقة الأفكار الإبداعية ومشاريع الأفكار حتى قبل تنفيذها. وبالتالي، فإنه يشكل انتهاكا لحقوق الآخرين ويؤدي إلى تشتت كبير للشخص القام به ويعتبر خطيئة كبيرة.
حكم التخاطر في الدين الإسلامي
هناك حادثة وقعت تتعلق بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب واستند إليها الناس لإثبات وجود التخاطر. حينما وصلت رسالة بشأن الجيش المتواجد في جبل سارية، أراد عمر أن يحتمي بها عندما أرسل جيشا قائدا إلى بلاد الشام. فجأة، صرخ أمير المؤمنين وهو في المدينة المنورة قائلا: `يا سارية الجبل يا سارية الجبل يا سارية الجبل`. لم يفهم الناس ماذا يقصد، وبعد عودة الجيش وسارية معهم، تحدثوا لسيدنا عمر عن المشكلة التي واجهوها مع العدو. في تلك اللحظة، سمعت سارية صوت عمر بن الخطاب يوجهها للتوجه إلى الجبل القريب منه، وكان ذلك هو ما أنقذهم من الأعداء والهزيمة بأمر الله.
مفهوم التخاطر في الإسلام
ولابد من وجود تفسير علمي وكذلك تفسير في الدين الإسلامي الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها فكيف عمر في المدينة وسارية في الشام ويصله صوت أمير المؤمنين، وقد قيل أنه على قدر تعلق الشخص بأحد يحبه يكون توارد الأفكار والمشاعر بينهما عظيم وتكون أرواحهما معلقة ببعض وتنتقل لكي تتخاطب فيما بينها.
في الصين، حيث يعتبر التخاطر ودراسته أمرا مهما ومحل اهتمام ودراسة واسعة، قاموا بفصل توأمين كانا مرتبطين بشدة ببعضهما البعض، حيث وضعوا أحدهما في بلد والآخر في بلد آخر يبعد آلاف الأميال. بعد فترة من الزمن، مرض أحد الأخوين وبالتالي أصيب الآخر بالمرض أيضا. عندما غضب أحدهما، تأثرت نفسية الآخر، مما جعلهم يهتمون بالتخاطر أكثر ويكرسون جهودهم لدراسته.
وبناء على ذلك، فإن الاعتقاد بوجود الأرواح العابرة لا يتقيد بمكان أو زمان، وقد استند العلماء المسلمون في ذلك إلى الآية الثانية والأربعين من سورة الزمر، حيث يقول الله تعالى: `الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون`. وتتضمن أذكار النوم الدعاء الذي يقول: `اللهم إني وضعت جنبي، فإن أمسكت نفسي، فاغفر لها، وإن أرجعتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين`.
تعد تلك الآية القرآنية والدعاء السابق ذكره بين العلماء إشارة إلى أن الروح تخرج عن الجسد في لحظة النوم، وهذا يجعل النوم يعرف بالموت الصغرى، وقد انتهى العلماء المسلمون إلى هذا الاستنتاج، بينما استمر علماء الغرب في البحث والدراسة حتى اكتشفوا قدرة الإنسان على التخاطر مع من يرغب في أي منطقة بالعالم عن طريق التواصل الروحي، وذلك من خلال طرق معينة. ويبدأ المرء رحلته في هذه العملية بالاسترخاء التام، وقبل بلوغ مرحلة الدخول إلى النوم يفكر فيمن يرغب في التواصل معه، ومنذ ذلك الحين تبدأ الرحلة، وهذا يعتبر أمرا معقدا للغاية.
حكم التخاطر في الإسلام
قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إنه كان في الأمم التي سبقتكم محدثون، وإنه إذا كان هناك منهم في أمتي، فإنهم يكونون عمر بن الخطاب. والمقصود بالمحدث هو الشخص الذي يتحدث بصدق وصداقة دون قصد، بل يكون ملهما بالحق من الملأ الأعلى. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على أن هؤلاء الأشخاص الذين أنعم الله عليهم بتلك الهبة قلة. ولا علاقة لهذه القصة بالتخاطر الروحي، بينما التخاطر النجمي والتخاطر هو أمر خطير للغاية وباطل، ولا ينبغي الانخراط فيه بسبب تبعياته وخطورته.