التأملات النفسية التي تجلت في سورة يوسف
نعلم جميعا أن قراءة القرآن الكريم تساعد على تهدئة النفس وتخفيف حدة التوتر وغيرها، أما فيما يتعلق بسورة يوسف، فقد تجلى فيها العديد من القراءات والتأملات النفسية الهامة .
سورة يوسف
حملت سورة يوسف العديد من العبرات و المشاهد التي تجلت فيها العديد من المشاعر الانسانية ، و التي تمثلت في تلك الابتلاءات ، التي اصابت سيدنا يوسف و سيدنا يعقوب عليهم السلام ، فضلا عن مشاهد عديدة تجلت فيها أسمى صور الصبر على الابتلاءات ، تلك الصور التي خضعت إلى العديد من الأبحاث و الدراسات النفسية ، و تبين أنها حملت العديد من الأبعاد الانسانية الوجدانية و السلوكية و العقلية بل و الروحانية ايضا .
انفعال الغيرة
– تمثلت بداية هذه القصة في تفسير الانفعالات البشرية التي دارت بين يوسف واخوته ، و كيف أن شعورهم بقرب ابيهم له ، نتج عنه مشاعر الغيرة التي ولدت الانتقام فيما بعد ، وذلك ما تبينه ايات القرآن الكريم في قوله تعالى إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ .
جاءت رؤيا سيدنا يوسف التي قصها على نبي الله يعقوب عليه السلام، وهي رؤيا غريبة لطفل لم يبلغ الحلم بعد، ولكنه قرر قصها على أبيه، وعندها قرر نبي الله يعقوب أن يمنع يوسف من القص عن رؤياه على إخوته، نظرا لكونه على دراية بمشاعر الغيرة التي يكنونها له .
تضمنت الآيات القرآنية وصفًا لمشاعر الغيرة التي يمكن أن تؤدي إلى الرغبة في الانتقام واستخدام الحيل والمكائد، وهذا ما حدث بالفعل مع سيدنا يوسف. ويجدر الذكره أن سيدنا يعقوب لم يحاول تفسير الرؤية التي رأاها يوسف عندما كان صغيرًا، ربما كان ذلك من أجل حمايته .
انفعالات وجدانية
تظهر الجوانب الوجدانية في المكيدة التي قام بها إخوة يوسف، وظهرت هذه الجوانب أولا في حالة يعقوب عليه السلام عندما زاروه وأرادوا أن يأخذوا يوسف معهم، ولكنهم لم يظهروا خوفامن أن يكيدوا له، بل ظهروا خوفا من أن يأكله الذئب، وهذا يعكس الجوانب الوجدانية في هذه المكيدة .
في سياق آخر، استخدم إخوة يوسف الجانب الوجدان في تضليل والدهم بعدما قتلوا يوسف، حيث استخدموا البكاء لإضعاف والدهم والحصول على تعاطفه. وهذا مثال واضح على تأثير الجوانب العاطفية في السلوك .
الإبتلاء بالهوى
ظهرت في هذه السورة بعض الاستقراءات النفسية، ومن بينها الابتلاء العظيم الذي كان سببًا في دخول النبي يوسف عليه السلام السجن، حيث كشف هذا الابتلاء جوانب وجدانية واضحة في شخصيته .
ويتجلى هذا الابتلاء في رغبة المرأة العزيزة في الاقتراب من يوسف، تلك المرأة التي تتميز بجمالها الساحر وثروتها ومكانتها الاجتماعية. وفي هذا يكون الاختبار لرغبتها البشرية، وكانت نتيجة هذا الاختبار العظيم أنها دعت ربها أن يظهر لها برهانه ويصرف عنها الشر، وفعلا أرسل الله برهانه لسيدنا يوسف وصرف عنها هذا الأمر، ولكنها للأسف دخلت في امتحان أكبر يتمثل في رغبة نساء المدينة بـ .
تفسير الرؤيا
أشارت هذه السورة العظيمة إلى فكرة تفسير الأحلام كعلم مستقل بذاته، وهو ما وضحه العلماء في علم النفس لاحقًا .
ظهرت جوانب نفسية عديدة في الموقف الذي جمع سيدنا يوسف مع رفيقه في السجن عندما طلبوا منه أن يفسر رؤياهم. وفي هذا السياق، قام سيدنا يوسف بتهيئتهم نفسيا أولا ببعض الكلمات البسيطة كبداية، ثم قدم تفسير الرؤيا بشكل موجز وواضح لمنع حدوث القلق أو الخوف لديهم. بعدها، تناول يوسف رؤية الملك ومحاكمة النساء .
تحمل السورة الكريمة عدة صور وقراءات نفسية لشخصية النبي يوسف عليه السلام، حيث كان شخصًا ذكيًا وعلى درجة عالية من التوازن النفسي، وكان لديه جوانب وجدانية جيدة، مما جعله يستطيع التحكم في خزائن الأرض فيما بعد .