الإعجاز العلمي في بيت العنكبوت
العنكبوت
العنكبوت هو حيوان من فصيلة مفصليات الأرجل، مصنفة في فئة Arachnida، والتي تجمع جنبًا إلى جنب مع الرتب الأخرى بما في ذلك العقارب والعث.
العنكبوت من منظور علمي
يتكون جسم العنكبوت من ورم عريض يربط الرأس بالصدر وورم غير مقسم يشمل البطن، ويحمل أربعة أزواج من الأرجل واثنين من أزواج المحسسات واثنين من الأزواج التي تشبه زوجًا من المخالب أو الكماشات والتي تحتوي على الغدد السامة، ويتم فصل الورم الحميد عن الورم الخبيث بواسطة خصر رقيق
يمتلك العنكبوت عيونًا بسيطة قد يكون عددها ثمانية أو أقل، وهو حيوان مفترس للحشرات وله جلد كثيف مغطى بالشعر يتساقط حوالي 7 إلى 8 مرات حتى يصل إلى مرحلة النضج، وقد تعرف علماء الحيوان اليوم على أكثر من ثلاثين ألف نوع من العناكب التي تختلف في أحجامها (من أقل من مليمتر إلى تسعين مليمترًا)، وأشكالها وألوانها.
تعيش معظم العناكب في البرية، يعيش معظمها بمفردها باستثناء أوقات التزاوج وتفقيس البيض، وتمتد بيئة العناكب من مستوى سطح البحر إلى ارتفاع خمسة آلاف متر، ويحتوي العنكبوت على ثلاثة أزواج من النتوءات المتحركة البارزة في أسفل البطن، كما تحتوي هذه النتوءات على ثقوب صغيرة يخرج منها السائل المستخدم في صنع خيوط منزلها، ولذلك، يُعرفون بأنهم الغزالون، وهذا السائل الذي يخرج من عدد من الغدد الخاصة إلى خارج جسم العنكبوت، من خلال الغزالات الخلفية، ويجف بمجرد تعرضه للهواء، وعندما يجف، يتم إنتاج خيوط مختلفة تختلف في الأنواع والطول والقوة وفقًا للاختلاف في الغدد المنتجة.
يحتمل بقاء العنكبوت في منزله ويمارس جميع أنشطته فيه، أو ربما يكون لديه عش أو مخبأ آخر خارج المنزل متصل بالمنزل بواسطة خيط المصيدة، وفي حالات الخطر قد يفر إلى هذا المخبأ
المؤشرات العلمية في بيت العنكبوت
تسمية سورة العنكبوت بصيغة المفرد “العنكبوت” تدل على الحياة الانفرادية التي يعيشها هذا الحيوان، إلا في أوقات التزاوج وتفقيس البيض، ويمكن مقارنتها بسورتي النحل والنمل، حيث تكون الأسماء بصيغة الجمع لأن هذه الحشرات تعيش في مجموعات، ويتضح الإعجاز العلمي من خلال الآيات القرآنية التالية
- قوله تعالى: ” الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا”:
في هذه الآية القرآنية النبيلة، هناك دلالة واضحة على أن أنثى العنكبوت هي التي تتولى بناء المنزل بشكل أساسي، وبالتالي، فإن بناء منزل العنكبوت مهمة تتحملها إناث العنكبوت، والأنثى هي التي تمتلك في جسدها غدد لإفراز مادة الحرير التي يُنسج منها بيت العنكبوت، وفي بعض الأحيان، وقد يشارك العنكبوت الذكر في المساعدة في البناء أو الإصلاح أو التوسع، ومع ذلك، فإن عملية البناء أنثوية بشكل أساسي، وهنا نجد الإعجاز العلمي في قوله تعالى: “الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا”.
- قوله تعالى: “وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ”
قد يتساءل البعض لماذا وصف الله بيت العنكبوت بأنه أضعف البيوت، ويشير هذا الخط القرآني الإعجازي إلى عدد من الحقائق المهمة، ومنها:
- الضعف الجسدي: يعتبر بيت العنكبوت أضعف المنازل على الإطلاق، وذلك لأنه مصنوع من عدة خيوط حريرية دقيقة للغاية تتشابك معا ولكنها تترك مسافات كبيرة منفصلة في أغلب الأوقات، ولذلك فهي لا توفر حماية من الحرارة والبرودة الشديدة، كما أنها لا توفر ظلا مناسبا ولا تحمي من المطر والرياح العاتية والهجمات، وذلك على الرغم من بنية هذا المنزل المعجزة
- الضعف في بيت العنكبوت وليس في الخيوط: يشير هذا إلى أن أضعف البيوت هو بيت العنكبوت، وليس خيوط العنكبوت، وهذا مؤشر دقيق للغاية، حيث إن خيوط بيت العنكبوت مصنوعة من الحرير الرقيق جدا، وعلى الرغم من رقتها، فإنها أقوى مادة بيولوجية عرفتها البشرية حتى الآن، وتعتبر خيوط الحرير التي تشكل نسيج العنكبوت أقوى من الفولاذ، ويمكن للخيط الرفيع أن يمتد لخمسة أضعاف طوله قبل أن يتم قطعه، ولذلك يطلق عليه العلماء “الفولاذ الحيوي” ويكون أقوى بخمس مرات من الفولاذ المعدني من نفس السمك
- الضعف الروحي: في النواحي الروحية، بيت العنكبوت هو الأضعف لأنه يفتقر إلى المحبة والرحمة، وهما الأساس في أي منزل سعيد، وفي بعض أنواع العناكب، تقوم الإناث بقتل الذكور فور حدوث الإخصاب، لأنهن أكبر حجما وأكثر عنفا، وتأكل الإناث جثث الذكور، وفي بعض الأحيان تأكل صغارها بلا رحمة، وفي بعض الأنواع يموت الإناث بعد إخصاب بيضها الذي يتم تربيته عادة في كيس من الحرير، وعندما يفقس البيض، تخرج العناكب لتجد نفسها في مكان مزدحم جدا داخل كيس البيض، ثم يبدأ الأشقاء في القتال من أجل الطعام أو المساحة أو كليهما
يتم قتل الأخ أخيه وأخته، والأخت تتسبب في مقتل أختها وشقيقها، حتى ينتهي القتال ويبقى عدد قليل من العناكب، وتفرز هذه العناكب جلودها وتمزق كيس البيض لإخراجها واحدة تلو الأخرى، ثم تنتشر جميعا في البيئة المحيطة، وتبدأ كل أنثى في بناء مسكنها، على الطريق لتحقيق هذا الهدف، بينما يموت بعض العناكب، ويعيش البعض الآخر نفس المأساة، وهذا يجعل من بيت العنكبوت أشد قسوة وعنفا، ويفتقر إلى جميع أشكال العلاقات العائلية، ولهذا السبب جعل الله تعالى العنكبوت مثلا للضعف والهشاشة، لأنها تفتقر إلى أبسط أشكال الرحمة بين الزوج والزوجة، وبين الأم وأولادها، وبين الأخ وإخوتها، وبين الأخت وإخوتها.
- قوله تعالى: “لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”
هذه الحقائق لم تكن معروفة لأي إنسان في زمن الوحي، ولقرون طويلة بعد ذلك، وقد تم اكتشافها بعد دراسات مستفيضة لسلوك العنكبوت من قبل مئات العلماء، لعشرات السنين، حتى تم إدراكها في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ولذلك قد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله: “لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ“.
العلامات القرآنية المخفية عن بيت العنكبوت
بيت العنكبوت ليس مجرد مسكن له، ولكن بسبب كون الشبكة اللاصقة، فإنها تشكل مصيدة للحشرات الطائرة مثل الذباب وغيرها، وهذه الحشرات تعتبر فرئس يتغذى عليها العنكبوت، وبالمثل، فإن المشركين الذين يقدسون الآلهة دون الله، ويدعون الناس إلى تلك الآلهة المبجلة، هم في الواقع يدعونهم إلى الفخ الذي يقودهم إلى الموت والدمار في الدنيا والآخرة، وذلك في قول الله تعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”
تأتي الآية لتحذير من دعاء الفاسدين الذين يريدون غير الله من المال والنزوة. ويتم ذلك من خلال الإشارة إلى الخيوط الخفية التي يستخدمونها لصيد ضحاياهم ، والتي يمكن أن تكون مالا أو جنسا أو قوة أو أي سلسلة خفية أخرى تؤدي إلى الضحية بمجرد أن تحاصرها. وهذه واحدة من فوائد سورة العنكبوت
لذلك، فإن وصف القرآن لبيت العنكبوت بأنه أضعف البيوت يمثل إنجازًا علميًا لا يمكن لأي عاقل غير الله الخالق أن يتخيله، حيث نزل هذا الوصف على نبي أمي صلى الله عليه وسلم في أمة غالبية الأميين قبل أكثر من أربعة عشر مائة عام.