الآية التي لم ينزل بعدها حلال ولا حرام
{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]
الهدي القرآني في {اليوم أكملت لكم دينكم}:
هذه هي أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس و الجن، فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهم حق وصدق لا كذب فيه كما قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115] أي صدقًا في الإخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي فلما أمل لهم الدين تمت النعمة عليهم.
سبب نزول اليوم أكملت لكم دينكم
قال أسباط عن السدى: نزلت هذه الآية يوم عرفة فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله صل الله عليه وسلم فمات، وقالت أسماء بنت عميس رضي الله عنها: حججت مع رسول الله صل الله عليه وسلم، تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل، فمال رسول الله صل الله عليه وسلم على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت فسجيت عليه بُردًا كان علي، وقال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله صل الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يومًا.
عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: في يوم الحج الأكبر، عندما نزلت الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، بكى عمر رضي الله عنه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟»، فأجاب: كنا في زيادة من ديننا، فأما الآن بعد إكمال الدين فإنه لم ينقص شيء إلا قليلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقت».
تفسير اليوم أكملت لكم دينكم
{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}: يعني أنهم يئسوا من أن يراجعوا دينهم، وقيل المراد أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين، بما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله، لذلك أمر الله عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا أحدا إلا الله، {فلا تخشوهم واخشون}: أي لا تخافوا منهم في مخالفتكم إياهم واخشوني، أنصركم عليهم وأبيدهم وأظفركم بهم، وأشف صدوركم منهم وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}: فالدين الذي يرضيه الله ويحبه وبعث به رسله الكرام وأنزل به كتابه الشريف، هو الدين الذي يجب أن تلتزموا به. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه الإسلام. أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أتم الإيمان لهم، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، ورضيه الله فلا يسخطه أبدا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ هذه الآية، فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا لجعلنا ذلك اليوم عيدا. فأجاب ابن عباس: إنها نزلت في يومين عيدين، يوم العيد ويوم الجمعة.