اسماء الصحابيات المجاهدات والمهاجرات
تعد الهجرة في الإسلام من أعظم أنواع الجهاد، وأجلها حيث يترك الفرد بلده وبيته وأهله وماله وأولاده، ويتوجه لنصرة الدين الإسلامي ومساندة الرسول صلى الله عليه وسلم ونشر الإسلام في كافة بقاع الأرض. فقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة الأنفال: “والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا، لهم مغفرة ورزق كريم” (74). وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالهجرة من البلاد التي لا يتمكنوا فيها من إقامة شعائر الدين الإسلامي ونشر الدين إلى أرض الله الواسعة التي يتمكنوا فيها من إقامة الدين ونشره، ووعدهم بالجنة والثواب العظيم، كما فعلوا عندما هاجروا من مكة إلى المدينة المنورة نتيجة كثرة التعذيب والإهانة التي تعرضوا إليها من المشركين.
الهجرة والجهاد ليست مقتصرة على الرجال فقط، بل شاركت مجموعة من النساء الصحابيات بشكل فعال في الهجرات الإسلامية والمعارك والغزوات التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون ضد المشركين والكفار. ويذكر في أحاديث شريفة عديدة فضل الجهاد وأهميته في الإسلام، وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: “قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة`.” رواه الترمذي وأحمد.
خديجة بنت خويلد
أم المؤمنين، وأشرف نساء قريش، والزوجة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، التي نصرته وصدقته حين كذبه الجميع، وأول من آمنت به من النساء، وصلت معه فكانت تسانده بالمال والرأي الراجح، وتدعمه نفسيا وعقليا، وتخفف عنه المواجهات والرفض من قبل أهله وأقاربه في الدعوة للإسلام، وكانت تعينه وتقف بجانبه في صدماته ورهبته من نزول الوحي، وتحن عليه وتهتم بأموره، فكان يجد منها كل الحب والاهتمام والرعاية.
كانت مثالا مشرفا وقدوة يحتذى بها في الجهاد في سبيل الله والإنفاق، إذ كانت تساعد الفقراء من المسلمين وتوفر لهم كل ما يحتاجونه بعد أن طردهم الكفار من عملهم عندما تركوا عبادة الأصنام واتبعوا الإسلام، وتعرضت للحصار مع المسلمين في شعب أبي طالب، وكانت تبذل قصارى جهدها لتقوية المسلمين. فكانت مثل المصباح الذي ينير لهم الطريق في العتمة، ولم تتردد في الخروج مع زوجها محمد صلى الله عليه وسلم إلى شعب أبي طالب، وتحملت الضيق والقسوة من أجله، ورفضت أن تتركه وحده في هذا الموقف الأليم. فكانت رضي الله عنها نعم الزوجة والرفيقة، وعدها الله بجنة عرضها السماوات والأرض، وجزاها خير الجزاء عن عملها ودورها العظيم في الدعوة.
نسيبة بنت كعب
تلقب بأم عمارة الأنصارية، كانت إحدى نساء الصحابة الجليلات التي تعرف بنسبها العريق وعائلتها المجيدة. بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته وشهدت بيعة العقبة. زوجها هو زيد بن عاصم ولديها حبيب وعبدالله، وأختها. تعرضت هذه السيدة العظيمة للعديد من الصدمات والمصائب فيما يتعلق بأعز الناس إلى قلبها، ولكنها لم تستسلم أو تنسحب عن موقفها. بل وقفت صامدة وشامخة. ومن بين هذه المواقف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل ابنها الحبيب إلى مسيلمة الكذاب برسالة تدعوه لعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام. ولكن مسيلمة الكذاب رفض هذه الرسالة وقام بقتل حبيب وتشويه جثته. عندما وصل هذا النبأ لوالدته، تماسكت أعصابها وأقسمت أن تنتقم لابنها من هذا الرجل المازق.
شاركت في غزوة أحد هي، وزوجها، وولديها، وأظهروا كفاءة عالية في هذه الغزوة حيث تعرضوا للهجمات بدلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقامت بالدفاع عنه بكل طاقتها، وتعرضت لـ 12 طعنة في هذه الغزوة. دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحصول على البركة والرحمة، وطلبت نسيبة بنت كعب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الله ليصاحبوه في الجنة. فقال: `اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة`. وبعد هذا الدعاء، قالت نسيبة: `مهما أصابني بعد ذلك في الدنيا، فأنا لا أبالي`. شهدت أيضا بيعة الرضوان وغزوة حنين ويوم اليمامة والعديد من الغزوات، وقامت بدور عظيم في إسعاف المصابين وتوفير الماء للمجاهدين.
أم سليم بنت ملحان
كانت من النساء اللاتي شاركن في الكفاح وحضرن العديد من الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تنصره وتدافع عنه وتواجه الكفار مثل الرجال. في غزوة أحد وغزوة حنين، كانت تذهب ومعها خنجر. وقد أخبرنا ثابت بن أنس قائلا: أم سليم أخذت خنجرا في يوم حنين. فقال أبو طلحة: يا رسول الله، إن أم سليم تحمل خنجرا! فردت قائلة: يا رسول الله، إذا اقترب مني مشرك، سأطعنه به.
اشتهرت هذه السيدة بشجاعتها وقوة إيمانها، وكانت تعمل كخادمة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. عندما تقدم لها أبو طلحة الأنصاري لطلب يدها في الزواج، أبدت ثقتها وإيمانها بوجود شرط لقبوله والموافقة على ذلك، وهو أن يعتنق الدين الإسلامي. وبالفعل، أسلم أبو طلحة وتزوجها، وكان اسمها أم سليم بنت ملحان، واشتهرت باسم أم أنس بن مالك.
أسماء بنت أبي بكر الصديق
أسماء هي ابنة أول من آمن من الرجال أبو بكر الصديق، وأقرب الأشخاص إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخت أم المؤمنين السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج الزبير بن العوام لقبت بذات النطاقين، وكانت لها أدوار عظيمة في الإسلام، والدعوة فقامت بمهام خطيرة في وقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لتوفير الطعام والشراب للسفر، وعندما جهزت كل شيء فوجدت أنها لا تجد شيئا تربط به الطعام، فقامت بشق خمارها إلى نصفين وربطت الطعام بنصف الخمار، وارتدت النصف الآخر، ولهذا سميت بذات النطافين، حيث قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف: “أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة.” اشتهرت السيدة أسماء بالذكاء والقدرة على التحمل وسرعة البديهة والأخلاق العالية، فتزوجت الزبير بن العوام الفقير، وعلى الرغم من أنها كانت ملكة بين أبيها الذي عرف بالسخاء والكرم والغنى، إلا أن الأموال لم تشغلها.
يجب أن لا ننسى دور بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شاركوا والدهم في الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصروه بكل ما في وسعهم، وصبروا وتحملوا الكثير في سبيل نشر الدين الإسلامي.