اسطورة قصر خداوج العمياء
يثير الفضول في الكثير من الناس معرفة قصر خداوج العمياء المحاط بالأساطير والقصص، والذي شوهته مرحلة الاحتلال، ويعرف هذا القصر أيضًا باسم الأميرة خديجة أو دار البكري. ويحيط بالقصر العديد من المعالم التاريخية الجميلة والقصص المثيرة .
من هي خداوج العمياء
خداوج العمياء هي بنت حسن الخزناجي ، وهو وزير مالية الداي محمد بن عثمان ما بين العام 1766 ميلاديًا والعام 1791 ميلاديًا ، وكانت خداوج العمياء واحدة من جميلات مدينة القصبة ، وكانت بطلة أسطورة التي ظلت محفورة في رأس كل بنات وولاد المدينة من القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا .
كان الخزناجي حسن بنتان وهما “خداوج” و “عزيزة” (التي كانوا ينادونها أيضًا باسم فاطمة) ؛ ونظرًا لخدمات الخزناجي حسن أعطاه الداي محمد بن عثمان مكافئة في سنة 1789 ميلاديًا ، والتي هي دار يحي رايس والتي كانت من قبل زاوية سيدي محمد بن عبد الله ، التي راح أهداها خداوج بعد ذلك وهذا بعد إصابتها بالعمى .
لم تسكن خداوج العمياء هذا الدار، بل فضلت العيش مع أختها فاطمة. يقال أن تاجرًا يهوديًا يدعى يعقوب البكري امتلك هذا الدار، ولذلك فإنه يعرف باسم دار البكري في القصبة، وكان يعتبر هذا التاجر محنكًا. واستمرت ملكية الدار باسم البكري حتى عام 1803 ميلاديًا .
كيف أصيبت خداوج بالعمى
– هناك الكثير من الروايات التي تشير إلى كيفية إصابة خدواج بالعمى. وسوف نذكر ثلاث قصص منها. تقول القصة الأولى أن خدواج كانت امرأة جميلة للغاية وكانت لديها مرآة اشتراها لها والدها من الهند. كانت تنظر فيها كثيرًا حتى أصيبت بالعمى .
تشير الرواية الثانية إلى أن المرآة انكسرت بالقرب من الشخص، ودخلت شظايا منها إلى عينيها مما تسبب في فقدانها البصر .
تقول الرواية الثالثة أن خداوج لم تكن عمياء بالمعنى الحرفي، ولكن الناس كانوا يطلقون عليها هذا اللقب، لأنها باعت الدار التي أعطاها إياها أبوها لرجل يهودي، وكان سكان المدينة يطلقون عليها “العمياء” لأنهم اعتبروا أنها فقدت البصر بسبب بيعها لدارها لشخص يهودي، وذلك بمعنى استعاري .
متى تحول قصر خداوج العمياء إلى متحف
إن المعالم الأثرية والمظاهر المعمارية في أي بلد وبين أي شعب، تعتبر كذاكرة جماعية تعزز هوية الأمة وتربطها بتاريخها، وتعتبر أيضا بطاقة تعريف تكشف عن جوانب التفوق والإبداع .
تتمتع الجزائر، بماضيها الحافل ومستقبلها الواعد، بثروة ثمينة من الشواهد الأثرية والمفاخر العمرانية، من بينها آثار رومانية وبيزنطية وإسلامية، وكذلك آثار عثمانية .
قصر خداوج العمياء هو تحفة معمارية عثمانية في الجزائر، وهو قصر فاخر يحمل في جدرانه العديد من القصص. يروي تاريخ بنائه وحكاية سكانه، حتى تم تحويله ليصبح مقرا لأول بلدية فرنسية في العاصمة الجزائرية عام 1830. ومنذ ذلك الحين، تحول القصر إلى متحف للفنون الشعبية، حيث يعرض حاليا مجموعة من الحرف التقليدية مثل الجلود والفضة، التي تمثل عادات وتقاليد من جميع أنحاء البلاد .
يحتوي المتحف على قسمين، قسم مخصص للأبحاث والحفظ والصيانة، حيث يتم حفظ التحف من العوامل الطبيعية والرطوبة والحرارة وغيرها، وقسم آخر مخصص للأنشطة الترفيهية وتنظيم الزيارات .
تظل أبواب المتحف مفتوحة لاستقبال وحفظ التراث الشعبي الجزائري من القطع الأثرية.
تاريخ تشييد قصر خداوج العمياء
– يشير بعض المراجع إلى أن تاريخ بناء هذا القصر يعود إلى عام 1570 ميلادي، بمبادرة من ضابط في البحرية الجزائرية يُدعى “يحيى رايس”، وقد تم بناؤه في موقع يسمى “سوق الجامع” في القصبة السفلى، على أنقاض الزاوية وضريح سيدي أحمد بن علي من قبل ضابط في البحرية العثمانية .
بعد غزو فرنسا للجزائر في عام 1830، تمت إزالة أصحاب المباني مقابل رسوم رمزية، وأصبح القصر مقرا لأول بلدية فرنسية في الجزائر العاصمة. ومع إشراف الملك الفرنسي آنذاك، نابليون الثالث وزوجته أوجيني، قرروا الإقامة في القصر اعتبارا من عام 1860. وفي كل مرة يزور الملك الجزائر، يتوجه مباشرة إلى هذا القصر الرائع .
إلا أنه تذهب مراجع أخرى بالنسبة لتاريخ تشييد القصر ، إلى اعتبار القصر من ممتلكات “حسن الخزناجي” لدى الداي محمد بن عثمان وذلك سنة 1792 ميلاديًا ، حيث اشترى حسن الخزناجي عدة بنايات محيطة بالقصر ثم ألحقها به ، حسب ما أوضحت عمليات الترميم التي كشفت عنها تلك البنايات ، وقام بإثرائه وتنميقه ليهديه إلى ابنته خداوج .
إن قصر الأميرة خديجة “دار البكري” أو حتى “قصر خداوج” له العديد من الأسماء التي أعطيت لهذا النصب التاريخي المزروع في قلب مدينة الجزائر العاصمة ، هو مكان أساسي للذكريات والتأمل بالإضافة إلى العديد من المواقع التي تشكل التراث الثقافي المادي للجزائر ، كما أنه يقع في زقاق في القصبة السفلى التي تضم المتحف الوطني للفنون الشعبية إنه تذكار للأجيال المتعاقبة .
وصف قصر خداوج العمياء
يحتفظ القصر بطابعه المعماري الأصيل حتى يومنا هذا حيث تفتح بوابة مهيبة من الخشب المنحوت على المدخل الرئيسي مما يؤدي إلى دهليز طويل يسمى “سكيفا” ، يميل ضد أعمدة الرخام الملتوية تتم محاذاة أربعة أقواس على الجانب الأيسر مفصولة بثلاثة أعمدة ملتوية ، ويمتد اثنان من الأروقة على طول الجانب الأيمن من جدار سكيفا المزين بأواني فخارية مبهجة .
في الطابق العلوي، تظهر الغرف ذات الجدران المزخرفة، التي تعكس الفن الغربي بأشكاله الأكثر تفصيلًا، والتي توفر معلومات حول المستوى الفني الذي تميز به العصر العثماني، ويلاحظ المشاهد بسرعة التعديلات الأوروبية الصرفة التي أدخلت على الأجزاء العلوية .
للوصول إلى الطوابق العليا في هذا القصر، يجب على الزوار اتخاذ درجًا يصعد إلى قبة، وفي الطابق العلوي يتواجد منتزه يطل على الواجهة البحرية، مما يسمح بتنشيط الهواء المنعش من البحر والهروب من حدود غرف القصر .
ومثل أي منزل آخر، يتكون القصر من مطابخ وبئر للاستخدام اليومي وحمامات وغرف استحمام. في عام 1947 ميلاديا، تحول القصر إلى خدمة للحفاظ على الحرف اليدوية، وفي عام 1961 ميلاديا، أصبح القصر متحفا للفنون التقليدية وصالة دائمة لورش الحرف اليدوية والحرف القديمة، وفي عام 1987 ميلاديا، أصبح المقر الرئيسي للمتحف الوطني للفنون والتقاليد الشعبية .
قصر خداوج العمياء أسطورة الجزائر الحية
بدأ باحثو دار خداوج وعلماء المجتمع والمهندسون المعماريون ومسؤولو المتاحف في استعادة قطع المتحف، سواء بشرائها أو عن طريق التبرعات التي قدمها المواطنون أو المؤسسات .
كما يتم عرض القطع القديمة الثمينة للغاية والأثاث والنسيج والنحاس الأصفر والجلود والخشب التي تمثل مناطق مختلفة من البلاد في هذا المنزل الفخم ؛ هذا بالإضافة إلى أن هناك مصنوعات يدوية من تارجوسوكابيل وأثاث جزائري ومجوهرات تلمسان وسجاد أدرار وأقمشة مفروشات منسوجة من خيوط وحرير من أوريس .
تم تخصيص الجزء الأوسط من المتحف لعرض المرآة الفريدة التي تم تزيينها بدقة خلال الفترة التي تم العمل فيها بها بمهارة، بما في ذلك تلك التي جعلت الأميرة خداوج عمياء .
يعد قصر خداوج من الأماكن التي تحيط بها الأسطورة والحقيقة، وهو موقع مهيب يعرف باسم “بيت البكري” كما يحلو لسكان الجزائر العاصمة تسميته، ويؤدي دوره التاريخي في توحيد الأجيال .