استثمار الوقت لتحقيق نهضة الشعوب
غالبا ما يتطلع المتعلمون أو الطلاب إلى إجراء بحث حول استثمار الوقت أو تقديم تقرير حول استثمار الوقت، وذلك بسبب أهميته البالغة التي لا يمكن تقييدها أو وصفها بالكلمات. ولكن هذه الأهمية لا يمكن فهمها واستيعابها إلا من قبل من تعلم قيمتها، ويمكن الوصول إلى ذلك عن طريق دراسة كيفية استغلال الشعوب المتقدمة في جميع مجالات التقدم والتطور. إنها إحدى الموارد الثمينة التي يمتلكها الإنسان، وعليه أن يدرك كيفية الاستفادة منها، سواء كانت هذه الفائدة لصالحه الشخصي أو لصالح مجتمعه بأكمله.
استثمار الوقت لتحقيق نهضة الشعوب
يعرف الوقت في اللغة العربية بأنه مدة محددة من الزمن أو الدهر، وهو جزء لا يتجزأ منه. ومع ذلك، فقد تم وضع العديد من التعريفات المختلفة للوقت في المصطلحات، وذلك يعود إلى طبيعته واختلاف نظرة الأشخاص تجاهه. ومن أبرز التعريفات المستخدمة في هذا السياق أن الوقت هو “وحدة يمكن من خلالها قياس دوران الأرض حول محورها، كما يمكن قياس دوران الأرض حول الشمس بمدة تبلغ 24 ساعة، 30 يوما في الشهر، و12 شهرا في السنة.
وفيما سبق ذكره فإن الوقت يعد بمثابة المادة التي قد صنعت الحياة منها بشكل عام والذي لا يفنى بفناء الأشخاص والأشياء، كما إنه متاح للجميع بالتساوي دون نقص أو زيادة لأحدهم عن الآخر، ولذلك يوجد اتصال وثيق ما بين النشاط والزمن وما تتجه الرغبة إلى انجازه من أعمال في فترة محددة من الوقت، ومن ذلك المنطلق يمكن وصف الوقت بكونه أثمن ما يمكن للمرء امتلاكه في الحياة.
أهمية استثمار الوقت
الوقت يعتبر واحدا من أهم المتغيرات في حياة الإنسان وما يحيط به من أمور وأشياء. وقد تبين ذلك من توضيحات الأديان السماوية جميعها، حيث أكد الدين الإسلامي الحنيف من خلال آياته وأحاديثه الشريفة على أهمية الاهتمام بالوقت وتقديره. فقد قال الله تعالى في سورة العصر: (والعصر إن الإنسان لفي خسر). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هناك نعمتان تضيعان على الكثير من الناس: الصحة والفراغ). وأيضا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم لرجل أثناء نصيحته: استغل خمسا قبل خمس: شبابك قبل كبرك، وصحتك قبل مرضك، وثروتك قبل فقرك، ووقتك الفارغ قبل انشغالك، وحياتك قبل موتك).
وفقا لما ذكره الإمام الجوزي رحمه الله، يمكن للإنسان أن يكون صحيحا ولكنه ليس متفرغا لعمله، وقد يكون مستغنيا ولكنه ليس صحيحا، وإذا اجتمعت هذين الأمرين فإن الكسل يسيطر عليه في الطاعة، فهو المغبون، وهذا يوضح أن الدنيا هي مزرعة للآخرة وفيها التجارة التي يتم الربح منها في الآخرة. فمن استخدم وقته وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استخدمهما في المعصية فهو المغبون؛ لأن الفراغ يتبعه العمل، والصحة يتبعها المرض.
كما ورد في التراث العربي العديد من القصائد والأبيات الشعرية الدالة على مدى فدسية الوقت لدى العرب ومن بين الأقوال الدالة على ذلك العبارة القائلة (الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك، وأيّام الدهر ثلاثة: يوم مضى لا يعود، ويوم أنت فيه لا يدوم لك، ويوم مُستقبل لا تدري من لأهله)، وعلى الرغم من الاختلافات ما بين الشعوب والثقافات إلا أنه لا يوجد خلاف بين شخص وآخر على ضرورة المحافظة على الوقت واستغلاله أفضل استغلال.
كيف قامت الشعوب المتقدمة باستغلال الوقت
هناك العديد من الدول حول العالم التي تمكنت من تحقيق التقدم والنجاح، وسنقدم لك فيما يلي نبذة عن الطريقة التي استطاعوا من خلالها تحقيق هذا النجاح وكيف ساعدتهم استغلال الوقت في ذلك:
- سويسرا والبرازيل: يحرص الشعب السويسري حتى يومنا هذا على الوصول إلى مواعيدهم قبل الموعد المحدد بخمس دقائق على الأقل، بينما يحرص الشعب البرازيلي على الوصول في الموعد المحدد ولكن قد يتأخرون قليلا.
- بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية: هناك العديد من الأمثلة التي يمكن أن نذكرها عندما يتعلق الأمر بالحرص على قيمة الوقت، ومن بين تلك الأمثلة المجتمع البريطاني والأمريكي، حيث يسمح بالتأخر عن المواعيد بمدة لا تزيد عن خمس دقائق، سواء كان ذلك لموعد عمل أو لموعد مقابلة شخصية أو لموعد مع الأصدقاء. وفي حالة تجاوز هذه المدة الزمنية الخمس دقائق، قد تؤدي إلى انقطاع العلاقات بسبب انعدام الاحترام. ويعتبر الوقت بالنسبة للشعب الأمريكي أموالا، ويمكن للشخص الاختيار بين إضاعته أو استغلاله.
- الشعب الكندي: يمكن وصف النهج الذي يتبعه المجتمع الكندي في تنظيم الوقت كمثال يحتذى به وهو ما مكنهم من تحقيق ما بلغوه من تقدم وازدهار وفقا لدراسة أجريت في ذلك الصدد على أكثر من ألفي شخص في كندا، ولاحظ أنهم يستغلون وقتهم في أمور تعود عليهم بالنفع مثل العمل والعائلة والنوم وممارسة الرياضة والاعتناء بالصحة، وذكر أيضا أن الرجال والنساء الذين لم ينجبوا بعد يقضون وقتا أكبر في العمل مقارنة بالآباء والأمهات حيث يخصص الآخرون وقتا أكبر لأسرهم وأطفالهم، وأشير أيضا إلى أن الكنديين يقضون حوالي خمسين ساعة في العمل أسبوعيا، وأما بالنسبة للبالغين فإنهم لا ينامون أكثر من سبع ساعات يوميا.
- الشعب الياباني: هم خير مثال يمكن أن يذكر فيما يتعلق بالالتزام بالمواعيد والأوقات. يتمتعون بمقدرة عالية في استغلال الوقت بأفضل شكل ممكن وتحقيق أقصى استفادة منه، حيث ينظرون إلى كل دقيقة باعتبارها كنزا ثمينا يجب الاستفادة منه وعدم إضاعته. يعتبر من اللباقة بالنسبة لهم احترام المواعيد التي اتفقوا عليها، حيث لا يتأخرون عنها أو يصلون متأخرين عنها، وفي حالة تأخرهم يعتذرون على الفور.
كيفية إدارة الشعوب للوقت واستغلاله
تنهض الشعوب بنهضة أبنائها، ولذلك يجب على كلاً منهم أن يحرص على استغلال الوقت بأفضل طريقة ممكنة وعدم إضاعته، ويمكن أن تساعد على ذلك الطرق التالية:
- ترتيب الأولويات هو واحد من أهم الطرق للاستفادة من الوقت بنجاح، حيث يتم ترتيب الأولويات تنازليًا من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية، مما يحقق أفضل النتائج.
- يتضمن الاتجاه إلى الأعمال ذات القيمة والفائدة للفرد والمحيطين به، والقيام بها، مع الاستفادة من نقاط القوة في العمل وتحسين نقاط الضعف.
- ينصح بالحرص على اكتساب المعرفة النافعة والعمل الإيجابي وتجنب إضاعة الوقت في الأمور التي لا فائدة منها.
- التعرف على الأهمية الحقيقية للوقت ومدى ما يمثله من نعمة عظيمة أنعم بها الله تعالى على الإنسان، ولا يوجد من يقدرها ويدرك أهميتها إلا من استفاد منها بالنفع والربح والنجاح في الدنيا، ويثاب في المقابل بخير الثواب في الآخرة.