ينظم مهرجان حب الملوك في مدينة صفرو سنويا، وهو من أقدم المهرجانات في المغرب. يتضمن المهرجان مسابقة لاختيار ملكة جمال الكرز في نهاية موسم زراعة الكرز. يجذب المهرجان العديد من السياح من المغرب وخارجه للاستمتاع بالمعالم السياحية في إقليم صفرو، بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة للمشاركين. في هذا المقال سنتعرف على المدينة ومهرجان حب الملوك.
أين تقع مدينة صفرو
مدينة ذات جمال وهدوء فائقين، ومقصد سياحي يجذب الزوار من داخل المغرب وخارجه، تحاط بأكبر غابات الزيتون والأرز، على الرغم من صغر مساحتها، تعد صفرو واحدة من أقدم المدن في المغرب، تقع في موقع استراتيجي بين سجلماسة وتافيلالت عند سفوح جبال الأطلس المتوسط، على بعد 28 كيلومترا جنوب شرق مدينة فاس، وتعبرها وادي أجاي، كما تبعد حوالي 200 كيلومتر شمال العاصمة الرباط.
وقد سميت بهذا الإسم نسبة إلى القبيلة الأمازيغية التي سكنتها، والتي كانت تعرف بأهل صفرو، وقد ضمت المدينة أقلية يهودية لحقبة طويل من الزمن، ويشير العديد من المؤرخين إلى أنه تم تأسيس مدينة صفرو قبل مدينة فاس بفترة طويلة، وما أكده هذا هو قول مولاي إدريس الثاني، مؤسس فاس عندما قال: “سأغادر من مدينة صفرو إلى قرية فاس.
تاريخ مدينة صفرو
تم تأسيس مدينة صفرو خلال فترة هجرة عرب الأندلس إلى المغرب في القرن السادس عشر الميلادي، حيث سكنها الأغلبية من “المورسكيون”، وظهرت نواة المدينة في النصف الثاني من القرن السابع الميلاديعلى سفح مرتفع قريب من الشلال، وتم تسميتها فيما بعد بـ”القلعة.
يقول بعض المؤرخين أن المورسكيون من قاموا بتأسيسها بالتعاون مع قبيلة من الأمازيغ سكنت الجبل لحماية المدينة من هجمات البرتغاليين والإسبانيين، فشيدوا فوق قمة جبل صفرو مدينة مكونة من حوالي 200 منزل، و لهذا السبب تميز معمار المدينة بالطابع الأندلسي، ومازالت المدينة القديمة محافظة على هذا الطابع حتى يومنا هذا، كما زرعت أغلب البساتين بالكرز، أو كما يطلق عليه المغاربة “حب الملوك”، لكونها كانت الفاكهة المحببة لأهل الأندلس آنذاك، ثم أصبحت مدينة صفرو حاضرة الدولة “السعدية” التي تأسست في المغرب منتصف القرن السادس عشر الميلادي.
اسم المدينة مشتق من كلمة أصفراو، وهو اسم أمازيغي يعني `المنطقة المقعرة`، وكان البربر يطلقون عليها هذا الاسم في الماضي. تشتهر المدينة بكثرة الأسماء، حيث سماها سكانها المغاربة الأصليين `مدينة حب الملوك`، وأطلق اليهود عليها اسم `أورشليم الصغيرة`. أما الفرنسيون فكانوا يسمونها `حديقة المغرب` نظرا لغطائها النباتي الكثيف. تأسست بلدية صفرو في عام 1917، وتقع المدينة على سفح الأطلس المتوسط على ارتفاع 850 مترا فوق سطح البحر.
كانت مدينة صفرو تتكون خلال فترة الحماية من المدينة القديمة والقلعة المحاطتين بأسوار دفاعية تحمي سكانها ومن يمر عبرها من قوافل، وتتخلل هذه الأسوار أبواب ضخمة أشهرها باب المقام، و هي من تمثل حتى يومنا هذا النسيج التاريخي لمدينة صفرو، كما تتوفر على أبراج وحصون دفاعية ما يزال بعضها قائما حتى يومنا هذا ويتم ترميمها كل فترة. و من بداية الثمانينات، ستشهد صفرو تطورا بوتيرة سريعة، وهكذا في غضون ثلاثين عاما، تضاعفت مساحة المدينة ثلاث مرات، لتصل إلى 1336 هكتار في عام 2015 مقارنة بـ 380 هكتار في عام 1981. ويعيش فيها الآن حوالي 80.000 شخص.
بماذا تشتهر مدينة صفرو
تتميز مدينة صفرو بالعديد من المعالم والأماكن البارزة التي تجذب السياح من مختلف الأماكن، وأبرز ما تتميز به المدينة هو مهرجان حب الملوك والذي سنتحدث عنه بالتفصيل لاحقا. إنه مهرجان كبير يقام سنويا بعد انتهاء موسم قطف الكرز، ويشهد المهرجان العديد من الفعاليات الفنية والثقافية. تتميز مدينة صفرو في المغرب بأحيائها التاريخية والأسواق التراثية، والأسوار التاريخية التي تعكس الموقع الاستراتيجي للمدينة في حماية وتأمين الطرق التجارية بين فاس وتافيلالت في عهد الملك المولى إسماعيل. كانت تستخدم أيضا كثكنة عسكرية من قبل المستعمرة، وتشمل هذه الأسوار سور الغديوة وبني مدرك وعرسة الدار. ومن أشهر أبواب هذه الأسوار باب المقام وباب درب عمر وباب بني مدرك وزمغيلة وباب المربع والمجلس وباب المضيق الذي يعرف الآن بـ ستي مسعودة. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المدينة على بعض المساجد القديمة مثل المسجد الأعظم أو الجامع الكبير الذي تم بناؤه قبل سبعة قرون في عهد السلطان مولاي سليمان العلوي، ويتميز بتصميمه المغربي التقليدي وبرجه الشاهق.
بالإضافة إلى المراقد والزوايا حيث عاشت مدينة صفرو العديد من الفترات التاريخية والأديان، واستوطنها الكثير من الأولياء والصالحين، ومن أبرز هذه الأماكن زاوية مولاي علي الشريف وزاوية سيدي أحمد بن عيسى التي تم بناؤها في عام 1730م، وضريح سيدي الحسن بن أحمد وسيدي علي بو سرغين، وسيدي عبد القادر الجيلالي، وتتوجه إليها عدد كبير من الزوار خاصة خلال المولد النبوي وأيام الجمع.
كما يعتبر مدينة صفرو منبعا للثقافات منذ فترة طويلة، حيث يتوافد إليها المثقفون والشعراء من جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تنوع الديانات فيها. ففي المدينة يوجد الطائفة المسلمة واليهودية والمسيحية. يجدر بالذكر أن اليهود كانوا الغالبية في سكان المدينة، وكانوا يسكنون في حي يدعى حي الملاح قبل هجرتهم إلى الأراضي الفلسطينية، ولهذا السبب اشتهرت مدينة صفرو بلقب `أورشليم الصغيرة`. تتميز المدينة أيضا بحرفية الخياطة والدرازة والنقش على الخشب والجبص، وصناعة الأواني الفخارية..
مدينة صفرو معروفة بتنوع الأنماط المعمارية، حيث توجد منازل تم بناؤها على النمط الريفي المستوحى من سكان الجنوب والأطلس المتوسط، والنمط المغربي الأندلسي المستمد من المنازل التقليدية في مدينة فاس، ويمكن العثور عليها بشكل خاص في عرصة الدار وحي تاقصبت، بالإضافة إلى المنازل اليهودية القديمة. تشتهر المدينة أيضا بجمال طبيعتها وشلالاتها الساحرة ومياهها العذبة التي لا تجف طوال العام والكهوف العميقة. ومن أهم هذه الشلالات شلال واد أكادي، بالإضافة إلى قرية رباط الخير، وهي بلدة صغيرة تقع شرق إقليم صفرو، جنوب مدينة فاس. كانت المدينة تعرف سابقا بأهرمومو، حيث يتوافد السياح من جميع أنحاء العالم لممارسة التزلج على الثلوج في فصل الشتاء وتسلق الجبال في فصل الصيف.
فعاليات مهرجان حب الملوك
حب الملوك هو الاسم الذي يُطلق على فاكهة الكرز في المغرب لأنه في مقدمة البلدان التي تنتج هذه الفاكهة الشهية والمميزة، و مهرجان حب الملوك هو مهرجان سنوي يقام بالتزامن مع نهاية موسم جني الكرز الذي تشتهر به المدينة، و هو أقدم مهرجان في المغرب و أكثرها شهرة يتم تنظيمه منذ سنة 1919 م، تحديدا في فترة الحكم الفرنسي للمغرب، وأول من اقترح تنظيمه هو الحاكم الفرنسي بيير سوغان الذي اخذ الفكرة عن مهرجان الكرز الذي يقام في فرنسا في بلدة أولفي من مقاطعة تولوز الفرنسية، وهو من له الفضل في تطوير الفكرة حيث كان يتم الاستعراض في البداية بتقديم دمية قش، وفي فترة الحكم الفرنسي على المنطقة تم تطوير الفكرة سنة 1934م، باستبدال دمية القش إلى ملكة حقيقية.
كانت تتنافس على اللقب فتيات مسلمات ويهوديات ومسيحيات، وأول ملكة توجت كانت فرنسية تدعى سوزان برنار، لكن مع حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، ورحيل اليهود، انحصر اختيار ملكة حب الملوك بين سكان المدينة فقط قبل أن يفتح باب الترشيح في دورات لاحقة أمام فتيات كل المدن المغربية.
من شروط المشاركة أن تكون المرشحة مغربية الجنسية، بين سن 18 و 30 سنة، طولها لا يقل عن 1 متر و 35 سنتيمترا، لديها سمعة طيبة ومستوى ثقافي عال، ولا توجد لديها سوابق جنائية. ومن معايير الانتقاء: الثقافة العامة، الأناقة، الكاريزما، الجمال، إجادة اللغات المتعددة، مشروع المستقبل للملكة المتوجة، والقدرة على المشاركة في العمل التطوعي لصالح النساء والشباب والأطفال في المنطقة، بالإضافة إلى الدوافع الشخصية والاجتماعية للمرشحة.
يقام هذا المهرجان في نهاية الأسبوع الثاني من شهر يونيو ويستمر لمدة ثلاثة أيام. تتزين مدينة صفرو بأجمل زينتها، وتزين شوارعها بالورود، وتتجول مواكب كبيرة في شوارع المدينة. خلال هذا المهرجان، يتم توزيع فاكهة الكرز على الحضور، ويتم اختيار ملكة جمال حب الملوك. تتنافس تسع فتيات من أجمل فتيات المدينة، يرتدين اللباس المغربي التقليدي. يتم انتخاب الملكة التي تتوج بتاج مصنوع من الذهب الخالص، وتكون هناك وصيفة أولى ووصيفة ثانية تشاركان في الموكب الكبير في شوارع المدينة وتوزعان الكرز والورود على الحضور. يتم أيضا عزف الموسيقى الفلكلورية التي تميز المدينة والأهازيج المغربية والأمازيغية. وقد صنف هذا المهرجان من قبل اليونسكو كواحد من مهرجانات التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.
يحرص العديد من سكان المغرب على حضور المهرجان، كما يحضره العديد من السياح من مختلف بلدان العالم، وتنظم خلال أيام المهرجان مجموعة من الأمسيات الفنية التي يشارك فيها فنانون مغاربة معروفون وبعض الفرق الفنية المحلية، بالإضافة إلى عروض الفروسية، والأنشطة الثقافية والترفيهية للحضور، ومعارض للحرف اليدوية والصناعات التقليدية .
حظي مهرجان حب الملوك بالرعاية السامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ الدورة التسعين في عام 2010، مما أعطاه اهتمامًا واسعًا ونفوذًا وطنيًا ودوليًا.